﴿ومنهم من ينظر﴾ محدقاً أو رامياً ببصره من بعيد ﴿إليك﴾ فهو من التضمين كما سبق في ﴿يستمعون﴾ ؛ نقل عن التفتازاني أنه قال في حاشية الكشاف : وحقيقة التضمين أن يقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخر يناسبه وهو كثير في كلام العرب، وذلك مع حذف حال مأخوذ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، ويتعين جعل الفعل المذكرو أصلاً والمذكور حاله تبعاً، لأن حذفه والدلالة عليه بصلته يدل على اعتباره في الجملة لا على زيادة القصد إليه، ومن أمثلته : أحمد إليك الله، أي منهياً إليك حمده، ويقلب كفيه على كذا، أي نادماً عليه،
﴿ولا تعد عيناك عنهم﴾ [ الكهف : ٢٨ ] أي مجاوزتين عنهم إلى غيرهم، ﴿ولا تأكلوا أموالهم﴾ -ضاميها ﴿إلى أموالكم﴾ [ النساء : ٢ ]، ﴿الرفث - مفضين - إلى نسائكم﴾ [ البقرة : ١٨٧ ]، ﴿ولا تعزموا﴾ [ البقرة : ٢٣٥ ] أي على النكاح وأنتم تنوون عقدته ﴿ولا يسمعون﴾ مصغين ﴿إلى الملإ الأعلى﴾ [ الصافات : ٨ ]، سمع الله - أي مستجيباً - لمن حمده، ﴿والله يعلم المفسد﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ] مميزاً له - ﴿من المصلح﴾، ﴿والذين يؤلون﴾ - ممتنعين ﴿من﴾ وطء ﴿نسائهم﴾ [ البقرة : ٢٢٦ ].
ولما كان المعنى أنك يا أكرم الخلق تريد بنظر هذا الناظر إليك ان ينظر إلى ما تأتي به من باهر الآيات فيهتدي وهو غير منتفع بنظره لما جعل عليه من الغشاوة فكان كالأعمى الذي زاد على عدم بصره عدم العقل فلا بصر ولا بصيرة، قال منكراً لذلك :﴿أفأنت تهدي العمي﴾ أي عيوناً وقلوباً ﴿ولو كانوا﴾ أي بما جبلوا عليه ﴿لا يبصرون﴾ أي لا يتجدد لهم بصر ولا بصيرة، فلا تمكن هدايتهم، لأن هداية الطريق الحسي لا تمكن إلا بالبصر، وهداية الطريق المعنوي لا تمكن إلا بالبصيرة ؛ والنظر : طلب الرؤية بتقليب البصر، ونظر القلب طلب العلم بالفكر ؛ والعمى : آفة تمنع الرؤية عن العين والقلب ؛ والإبصار : إدراك الشيء بما به يكون مبصراً، فكأنه قيل : ما له فعل بهم هذا والأمر بيده؟ فقيل : لأنه تام المُلك والمِلك وهو متفضل في جميع نعمة لا يجب عليه لأحد شيء فهو لا يسأل عما يفعل، وبنى عليه قوله :﴿إن الله لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٤٤٦ ـ ٤٤٨﴾


الصفحة التالية
Icon