قوله تعالى ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (٧١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تقدم سؤالهم الإتيان بما يقترحون من الآيات، ومضت الإشارة إلى أن تسييرهم في الفلك من أعظم الآيات وإن كانوا لإلفهم له قد نسوا ذلك، وتناسجت الآي كما سلف إلى أن بين هذا أن متاع المفترين الكذبَ قليل تخويفاً من شديد السطوة وعظيم الأخذ، عقب ذلك بقصة قوم نوح لأنهم كانوا أطول الأمم الظالمة مدة وأكثرهم عدة، ثم أخذوا أشد أخذ فزالت آثارهم وانطمست أعلامهم ومنارهم فصاروا كأنهم لم يكونوا أصلاً ولا أظهروا قولاً ولا فعلاً، فقال تعالى عاطفاً على قوله ﴿قل إن الذين﴾ مسلياً لنبيه ـ ﷺ ـ وأصحابه ـ رضى الله عنهم ـ م لأن المصيبة إذا عمت خفت، وتخويفاً للكفار ليرجعوا أو يخفوا من أذاهم :﴿واتل﴾ أي اقرأ قراءة متتابعة مستعلية ﴿عليهم نبأ نوح﴾ أي خبره العظيم مذكراً بأول كون الفلك وأنه كان إذ ذاك آية غريبة خارقة للعادة عجيبة، وأن قوم نوح لم ينفعهم ذلك ولا أغنى عنهم افتراءهم وعنادهم مع تطاول الأمد وتباعد المدد، بل صار أمرهم إلى زوال، وأخذ عنيف ونكال ﴿كأن لم يلبثوا إلاّ ساعة من النهار يتعارفون بينهم﴾ [ يونس : ٤٥ ] مع نجاة رسولهم وخيبة مأمولهم، قد لبث فيهم ما لم يلبثه نبي في قولهم ولا رسول في أمته ألف سنة إلاّ خمسبن عاماً، وما آمن معه إلاّ قليل ﴿إذ قال لقومه﴾ أي بعد أن دعاهم إلى الله فأطال دعاءهم ومتعوا في الدنيا كثيراً وأملى لهم طويلاً فما زادهم ذلك إلا نفوراً ﴿يا قوم﴾ أي يا من يعز عليّ خلافهم ويشق عليّ ما يسوءهم لتهاونهم بحق ربهم مع قوتهم على الطاعة ﴿إن كان كبر﴾ أي شق وعظم مشقة صارت جبلة ﴿عليكم﴾ ولما كانت عادة الوعاظ والخطباء أن يكونوا حال الخطبة واقفين، قال :﴿مقامي﴾ أي قيامي، ولعله خص هذا المصدر لصلاحيته لموضع القيام وزمانه فيكون الإخبار بكراهته لأجل ما وقع فيه من القيام أدل على كراهة القيام ﴿وتذكيري﴾ أي بكم ﴿بآيات الله﴾ أي الذي له الجلال والإكرام، فإن ذلك لا يصدني عن


الصفحة التالية
Icon