قوله تعالى ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (٥٠) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تم من ذلك ما هو كفيل بغرض السورة، وختم بأن العاقبة دائماً للمتقين، أتبع بالدليل على ذلك من قصص الأنبياء مع الوفاء بما سيقت له قصة نوح - على جميعهم السلام - من الحث على المجاهرة بالإنذار فقال تعالى :﴿وإلى﴾ أي ولقد ارسلنا إلى ﴿عاد أخاهم﴾ وبينه فقال :﴿هوداً﴾ ولما تقدم أمر نوح مع قومه، استشرف السامع إلى معرفة ما قال هود عليه السلام هل هو مثل قوله أو لا؟ فاستأنف الجواب بقوله :﴿قال يا قوم﴾ الذين هم أعز الناس لدي ﴿اعبدوا الله﴾ أي ذا الجلال والإكرام وحده ؛ ثم صرح وعلل فقال :﴿ما لكم﴾ وأغرق في النفي فقال :﴿من إله﴾ أي معبود بحق ﴿غيره﴾ فدعا إلى أصل الدين كما هو دأب سائر النبين والمرسلين ؛ ثم ختم ذلك بمواجهتهم بما يسوءهم من الحق وما ثناه عن ذلك رجاء ولا خوف فقال :﴿إن﴾ أي ما ﴿أنتم إلا مفترون﴾ أي متعمدون الكذب على الله في إشراككم به سبحانه لأن ما على التوحيد من أدلة العقل غير خاف على عاقل فكيف مع تنبيه النقل! وذلك مكذب لمن أشرك، أي فاحذروا عقوبة المفتري ؛ ثم نفى أن يكون له في ذلك غرض غير نصحهم بقوله موضع " إني ناصح لكم بهذا الأمر فلا يسوءكم مواجهتي لكم فيه بما تكرهون " ﴿يا قوم﴾ مكرراً لاستعطاف ﴿لا أسألكم﴾ أي في المستقبل كما لم أسالكم في الماضي ﴿عليه﴾ أي على هذا الإنذار ﴿أجراً﴾ أي فلست موضع تهمة ﴿إن﴾ أي ما ؛ ﴿أجري﴾ ثم وصف من توكل عليه سبحانه بما يدل على الكفاية فعليّ وجوب شكره فقال :﴿إلا على الذي فطرني﴾ أي أبتدأ خلقي ولم يشاركه فيّ أحد فهو الغني المطلق لا أوجه رغبتي إلى غيره كما يجب على كل أحد لكونه فطرة.
ولما كان الخلاف الذي لا حظ فيه جهة الدنيا لا يحتاج الإنسان في الدلالة على أن صاحبه ملجأ إليه من جهة الله، وأنه لا نجاة إلا به إلى غير العقل، سبب عن قوله هذا الإنكار عليهم في قوله :﴿أفلا تعقلون ﴾.