قوله تعالى ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان العلم حاصلاً بما سبق من الحكم من أن الآدمي محل العجز والتقصير، أتبع ذلك بأعلى مكفر لما يوجبه العجز ويقضي به الفتور والوهن من الصغائر وأعمه وأجلبه للاستقامة، وذلك يدل على أنها بعد الإيمان أفضل العبادات، فقال تعالى :﴿وأقم الصلاة﴾ أي اعملها على استواء ﴿طرفي النهار﴾ بالصبح والعصر كما كان مفروضاً بمكة في أول الأمر قبل الإسراء، ويمكن أن يراد مع ذلك الظهر لأنها من الطرف الثاني ﴿وزُلفاً﴾ أي طوائف ودرجات وأوقات، جمع زلفة ﴿من الَّيل﴾ يمكن أن يكون المراد به التهجد، فقد كان مفروضاً في أول الإسلام، ويمكن أن يراد المغرب والعشاء مع الوتر أو التهجد ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إن الحسنات﴾ أي الطاعات كلها الصلاة وغيرها المبنية على أساس الإيمان ﴿يذهبن السيئات﴾ أي الصغائر، وأما الكبائر التي يعبر عنها بالفواحش ونحوه فقد تقدم في قصة شعيب عليه السلام عند قوله ﴿ثم توبوا إليه﴾ أنه لا يكفرها إلا التوبة لما فيها من الإشعار بالتهاون بالدين، واجتنابها لا يكفر إلا إذا كان عن نية صالحة كما أفهمه صيغة الافتعال من قوله
﴿إن تجتنبوا﴾ [ النساء : ٣٠ ] ؛ روى البخاري في التفسير عن ابن مسعود ـ رضى الله عنهم ـ " أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة، فأتى رسول الله ـ ﷺ ـ فذكر له ذلك فأنزل الله عليه ﴿أقم الصلاة طرفي النهار﴾ - الآية، قال الرجل : ألي هذه؟ قال : لمن عمل بها من أمتي " وهذا الحديث يؤيد قول ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : إن هذه الآية من هذه السورة المكية المدنية.