قوله تعالى ﴿ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٦٣) قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أعلمنا سبحانه أنه رغبهم في شأن أخيه، ورهبهم بالقول، أعلمنا بأنه رغبهم فيه بالفعل، فقال عاطفاً على قوله الماضي لهم :﴿وقال﴾ أي يوسف عليه الصلاة والسلام شفقة على إخوته وإرادة لنصحهم فيما سألهم فيه :﴿لفتيانه﴾ أي غلمانه، وأصل الفتى : الشاب القوي، وسيأتي شرحه عند قوله تعالى :﴿تفتؤا تذكر يوسف﴾ ﴿اجعلوا بضاعتهم﴾ أي ما بضعوه أي قطعوه من مالهم للتجارة وأخذناه منهم ثمناً لطعامهم الذي دفعناه لهم ﴿في رحالهم﴾ أي عدولهم ؛ والرحل : ما أعد للرحيل من وعاء أو مركب ﴿لعلهم يعرفونها﴾ أي بضاعتهم ؛ وعبر بأداة التحقق تفاؤلاً لهم بالسلامة، أو ظناً، أو علماً بالوحي، فقال :﴿إذا انقلبوا﴾ راجعين ﴿إلى أهلهم﴾ أي يعرفون أنها هي بعينها، رددتها عليهم إحساناً إليهم، ويجزمون بذلك، ولا يظنون أن الله أخلف عليهم مثلها نظراً إلى حالهم وكرامة لأبيهم، ويعرفون هذه النعمة لي ﴿ولعلهم يرجعون﴾ أي ليكون حالهم وحال من يرجع إلينا إذا عرفوها، لردها تورعاً، أو للميرة بها إن لم يكن عندهم غيرها، أو طمعاً في مثل هذا، وإنما لم يبادر إلى تعريفهم بنفسه والتعجيل بإدخال السرور على أبيه، لأن ذلك غير ممكن عادة - لما يأتي من الحكم البالغة والتدبير المتين، ودل على إسراعهم في الرجوع بالفاء فقال :﴿فلما رجعوا﴾ أي إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام ﴿إلى أبيهم﴾ حملهم ما رأوا - من إحسان الصديق وحاجتهم إليه وتبرئتهم لأنفسهم عن أن يكونوا جواسيس - على أن ﴿قالوا يا أبانا ﴾.
ولما كان المضار لهم مطلق المنع، بنوا للمفعول قولهم :﴿منع منا الكيل﴾ لأخينا بنيامين على بعيره لغيبته، ولنا كلنا بعد هذه المرة إن لم نذهب به معنا ليظهر صدقنا ؛ والمنع : إيجاد ما يتعذر به على القادر الفعل.


الصفحة التالية
Icon