قوله تعالى ﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما سمح لهم بخروجه معهم، أتبع تعالى ذلك الخبر عن أمره لهم بالاحتياط من المصائب لأنهم أحد عشر رجلاً إخوة أهل جمال وبسطة، وكانوا قد شهروا عند المصريين بعض الشهرة، بسبب ما دار بينهم وبين يوسف عليه الصلاة والسلام من الكلام في المرة الأولى، فكانوا مظنة لأن ترمقهم الأبصار ويشار إليهم بالأصابع، فيصابوا بالعين، ولم يوصهم في المرة الأولى، لأنهم كانوا مجهولين، مع شغل الناس بما هم فيه من القحط، فقال حكاية عنه :﴿وقال﴾ أي يعقوب عليه الصلاة والسلام لبنيه عندما أرادوا السفر :﴿يابني﴾ محذراً لهم من شر الحسد والعين - ﴿لا تدخلوا﴾ إذا قدمتم إلى مصر ﴿من باب واحد﴾ من أبوابها ؛ والواحد على الإطلاق : الذي لا ينقسم، وأما المقيد بإجرائه على موصوف كباب واحد، فهو ما لا ينقسم في معنى ذلك الموصوف ﴿وادخلوا من أبواب﴾ واحترز من أن تكون متلاصقة أو متقاربة جداً، فقال :﴿متفرقة﴾ أي تفرقاً كبيراً، وهذا حكم التكليف لئلا يصابوا بالعين - كما نقله الرماني عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ والحسن وقتادة والضحاك والسدي، فإن العين حق، وهي من قدر الله، وقد ورد شرعنا بذلك، ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة ـ رضى الله عنهم ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال " العين حق " وفي رواية عند أحمد وابن ماجه :" يحضرها الشيطان وحسد بن آدم " ولمسلم والترمذي والنسائي عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال :" العين حق، ولو شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " ولأبي نعيم في الحلية عن جابر ـ رضى الله عنهم ـ أن النبي قال :" إن العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر " ولأبي داود عن أسماء بنت يزيد ـ رضى الله عنهم ـ ا أن النبي ـ ﷺ ـ قال :" وإنما لتدرك الفارس فتدعثره " ولأحمد والترمذي عن أسماء بنت عميس ـ رضى الله عنهم ـ ا أن النبي ـ ﷺ ـ قال


الصفحة التالية
Icon