قوله تعالى ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكرهم بنعمة الأمن رغبهم فيما يزيدها، ورهبهم مما يزيلها فقال :﴿وإذ﴾ أي واذكروا إذ ﴿تأذن ربكم﴾ أي أعلم المحسن إليكم إعلاماً بليغاً ينتفي عنه الشكوك قائلاً :﴿لئن شكرتم﴾ وأكده لما للأنفس من التكذيب بمثل ذلك لأعتقادها أن الزيادة بالسعي في الرزق والنقص بالتهاون فيه ﴿لأزيدنكم﴾ من نعمي، فإن الشكر قيد الموجود وصيد المفقود " إن عطائي لعتيد فأرجوه " ﴿ولئن كفرتم﴾ النعمة فلم تقيدوها بالشكر لأنقصنكم ولأعذبنكم ﴿إن عذابي﴾ بإزالتها وغيرها ﴿لشديد﴾ فخافوه، فالآية - كما ترى - من الاحتباك.
ولما كان من حث على شيء وأثاب عليه أو نهى عنه وعاقب على فعله يكون لغرض له، بين أن الله سبحانه متعال عن أن يلحقه ضر أو نفع، وأن ضر ذلك ونفعه خاص بالعبد فقال تعالى حاكياً عنه :﴿وقال موسى﴾ مرهباً لهم معلماً أن وبال الكفران خاص بصاحبه ﴿إن تكفروا﴾ والكفر : تضييع حق النعمة بجحدها أو ما يقوم في العظم مقامه ﴿أنتم ومن في الأرض﴾ وأكد بقوله :﴿جميعاً﴾ فضرره لاحق بكم خاصة غير عائد على الله شيء منه ﴿فإن الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿لغني﴾ أي في ذاته وصفاته عن كل أحد، والغنى هنا المختص بما ينفي لحاق الضرر أو النقص، والمختص بأنه قادر لا يعجزه شيء، عالم لا يخفى عليه شيء، وذلك بنفسه لا بشيء سواه، ومن لم يكن كذلك لم يكن غنياً ﴿حميد﴾ أي بليغ الاستحقاق للحمد بما له من عظيم النعم وبما له من صفات الكمال، وكل مخلوق يحمده بذاته وأفعاله وجميع أقواله كائنة ما كانت، لأن إيجاده لها ناطق بحمده سبحانه.
ذكر التأذن بذلك المذكر به من التوراة :