قوله تعالى ﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (١٠) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان سامع هذا الكلام يشتد تشوفه إلى جوابه، وكان أصل الدعوة في كل ملة التوحيد، وكان الشاك فيه شاكاً في الله، وكان أمر الله من الظهور بحيث لا يشك فيه عاقل حكّم عقله مجرداً عن الهوى، ساغ الإنكار وإيراد الكلام على تقدير سؤال معرى من التقييد مبهم في قوله :﴿قالت رسلهم﴾ ولما كان ما شكوا فيه من الظهور بحيث لا يتطرق إليه ريب، أنكروا أن يكون فيه شك، لأن ذلك يتضمن إنكار شكهم وشك غيرهم فقالوا :﴿أفي الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال ﴿شك ﴾.
ولما كان الجواب عاماً لا يخص ناساً دون ناس، لم يأت بصلة فقال بخلاف قوله :﴿إن نحن إلا بشر﴾ ثم نبهوهم بالمصنوع على مقصود الدعوة من وجود الصانع وتفرده وظهوره في قولهم :﴿فاطر السماوات﴾ ولما كان المقام لادعاء أنه في غاية الظهور، لم يحتج إلى تأكيد بإعادة العامل، فقال :﴿والأرض﴾ أي على هذا المثال البديع والنمط الغريب المنتظم الأحوال، الجميل العوائد، والمتسق الفصول ؛ فلما أوضحوا لهم الأدلة على وحدانيته بينوا لهم بأن ثمرة الدعوة خاصة بهم، إنه لا يأباها من له أدنى بصيرة، فقالوا :﴿يدعوكم﴾ أي على ألسنتنا ﴿ليغفر لكم ﴾.
ولما كان الكافر إنما يدعى أولاً إلى الإيمان، وكان الإيمان إنما يجب ما كان قبله من الذنوب التي معهم بينهم وبينه دون المظالم، قال :﴿من ذنوبكم﴾ ولو عم بالغفران لأفهم ذلك أنهم لا يدعون بعد الإيمان إلى عمل أصلاً ﴿و﴾ لا يفعل بكم فعل من تعهدون من الملوك في المعاجلة بالإهلاك لمن خالفهم، بل ﴿يؤخركم﴾ وإن أخطأتم أو تعمدتم وتبتم ﴿إلى أجل مسمى﴾ عنده سبق علمه به، وهو آجالكم على حسب التفريق، ولا يستأصلكم بالعذاب في آن واحد كما فعل بمن ذكر من الأمم.


الصفحة التالية
Icon