قوله تعالى ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ختم سبحانه بذلك تأكيداً لإبطال مذهب عبدة الأصنام بسلب العلم الذي هو مناط السداد عنهم، حسن أن يصل به قوله - إقامة للدليل على علمه بأن أمثاله لا يتطرق إليها الطعن، ولا يتوجه نحوها الشكوك - :﴿ضرب الله﴾ أي الذي له كمال العلم وتمام القدرة ﴿مثلاً﴾ بالأحرار والعبيد له ولما عبدتموه معه ؛ ثم أبدل من مثلاً :﴿عبداً﴾ ولما كان العبد يطلق على الحر بالنسبة إلى الله تعالى، قال تعالى :﴿مملوكاً﴾ لا مكاتباً ولا فيه شائبة للحرية ﴿ولا يقدر على شيء﴾ بإذن سيده ولا غيره، وهذا مثل شركائهم، ثم عطف على " عبداً " قوله :﴿ومن رزقناه منا﴾ من الأحرار ﴿رزقاً حسناً﴾ واسعاً طيباً ﴿فهو ينفق منه﴾ دائماً، وهو معنى ﴿سراً وجهراً﴾ وهذا مثل الإله وله المثل الأعلى ؛ ثم بكتهم إنكاراً عليهم بقوله تعالى :﴿هل يستوون﴾ أي هذان الفريقان الممثل بهما، لأن المراد الجنس، فإذا كان لا يسوغ في عقل أن يسوي بين مخلوقين : أحدهما حر مقتدر والآخر مملوك عاجز، فكيف يسوي بين حجر موات أو غيره وبين الله الذي له القدرة التامة على كل شيء؟
ولما كان الجواب قطعاً : لا، وعلم أن الفاضل ما كان مثالاً له سبحانه، على أن من سوى بينهما أو فعل ما يؤول إلى التسوية أجهل الجهلة.