قوله تعالى ﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١١١) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١١٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تقدم كثير من التحذير والتبشير، وتقدم أنه لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون، وختم ذلك بانحصار الخسار في الكفار، بيَّن اليوم الذي تظهر فيه تلك الآثار، ووصفه بغير الوصف المقدم باعتبار المواقف، فقال تعالى مبدلاً من ﴿يوم نبعث من كل أمة شهيداً﴾ ﴿يوم تأتي﴾ أي فيه ﴿كل نفس﴾ أي إنسان وإن عظم جرمها ﴿تجادل﴾ أي تعتذر، وعبر بالمجادلة إفهاماً للذفع بأقصى ما تقدر عليه، وأظهر في قوله :﴿عن نفسها﴾ أي ذاتها بمفردها لا يهمها غير ذلك لما يوهم الإضمار من أن كل أحد يجادل عن جميع الأنفس.
ولما كان مطلق الجزاء مخوفاً مقلقاً، بني للمفعول قوله :﴿وتوفَّى كل نفس﴾ صالحة وغير صالحة ﴿ما عملت﴾ أي جزاء من جنسه ﴿وهم﴾ ولما كان المرهوب مطلق الظلم، وكان البناء للمفعول أبلغ جزاء في نفيه قال تعالى :﴿لا يظلمون﴾ أي لا يتجدد عليهم ظلم لا ظاهراً ولا باطناً، ليعلم بإبدال " يوم " من ذلك المتقدم أن الخسارة بإقامة الحق عليهم لا بمجرد إسكاتهم.