قوله تعالى ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ثم أتبع ذلك ما يدل على شرف كتاب موسى وصحة نسبته إليه تعالى بما يقتضي شمول العلم وتمام القدرة بما كشف عنه الزمان من صدق إخباره، وفظاظة وعيده وإنذاره، تنبيهاً على أن من كذب بكتابه أهلكه كائناً من كان وإن طال إمهاله، فلا تغتروا بحلمه لأن الملوك لا تقر على أمر يقدح في ملكها، فقال تعالى :﴿وقضينا﴾ أي بعظمتنا بالوحي المقطوع به، منزلين ومنهين ﴿إلى بني إسرائيل﴾ أي عبدنا يعقوب عليه السلام الذي كان أطوع أهل زمانه لنا ﴿في الكتاب﴾ الذي أوصلناه إليهم على لسان موسى عليه السلام ﴿لتفسدن﴾ أكد بالدلالة على القسم باللام لأنه يستبعد الإفساد مع الكتاب المرشد ﴿في الأرض﴾ أي المقدسة التي كأنها لشرفها هي الأرض بما يغضب الله ﴿مرتين ولتعلن﴾ أي بما صرتم إليه من البطر لنسيان المنعم ﴿علواً كبيراً﴾ بالظلم والتمرد، ولا ينتقم منكم إلا على حسب ما تقتضيه حكمتنا في الوقت الذي نريد بعد إمهال طويل ؛ والقضاء : فصل الأمر على إحكام ﴿فإذا جاء وعد أولاهما﴾ أي وقته الذي حددناه له للانتقام فيه ﴿بعثنا﴾ أي بعظمتنا ؛ ونبه على أنهم أعداء بقوله :﴿عليكم﴾ ونبه على عظمته، قدرته وسعة ملكه بقوله تعالى :﴿عباداً لنا﴾ أي لا يدان لكم بهم لما وهبنا لهم من عظمتنا ﴿أولي بأس﴾ أي عذاب وشدة في الحرب شديدة ﴿شديد فجاسوا﴾ أي ترددوا مع الظلم والعسف وشديد السطوة ؛ والجوس : طلب الشيء باستقصاء ﴿خلال﴾ أي بين ﴿الديار﴾ الملزوم لقهر أهلها وسفولهم بعد ذلك العلو الكبير ؛ والخلال : انفراج ما بين الشيئين وأكثر لضرب من الوهن ﴿وكان﴾ أي ذلك البعث ووعد العقاب به ﴿وعداً مفعولاً﴾ أي لا شك في وقوعه ولا بد أن يفعل لأنه لا حائل بيننا وبينه، ولا يبدل القول إلا عاجز أو جاهل ؛ عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنهم جالوت وجنوده ؛ وعن سعيد بن المسيب أنهم بختنصر وجنوده ؛ وعن الحسن : العمالقة ؛ وعن سعيد بن جبير : سنجاريب وجنوده ؛ قال في السفر الخامس من التوراة إشارة


الصفحة التالية
Icon