قوله تعالى ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨) وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٤٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قرر في سياق التوحيد أنهم في الحضيض من الغباوة، التفت إلى سيد أولي الفهم، فقال مشيراً إلى النبوة عاطفاً على ﴿لا تفقهون﴾ منبهاً على أنهم لا يفهمون لسان القال فضلاً عن لسان الحال :﴿وإذا قرأت القرءان﴾ الذي لا يدانيه واعظ، ولا يساويه مفهم، وهو تبيان لكل شيء ﴿جعلنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿بينك﴾ وبينهم، ولكنه أظهر هذا المضمر بالوصف المنبه على إعراضهم عن السماع على الوجه المفهم فقال تعالى :﴿وبين الذين لا يؤمنون﴾ أي لا يتجدد لهم إيمان ﴿بالآخرة﴾ أي التي هي قطب الإيمان ﴿حجاباً﴾ مالئاً لجميع ما بينك وبينهم مع كونه ساتراً لك عن أن يدركوك حق الإدراك على ما أنت عليه ﴿مستوراً﴾ عنهم وعن غيرهم، لا يراه إلا من أردنا، وذلك أبلغ في العظمة وأعجب في نفود الكلمة ﴿وجعلنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿على قلوبهم أكنة﴾ أي أغطية، كراهة ﴿أن يفقهوه﴾ أي يفهموا القرآن حق فهمه ﴿وفي ءاذانهم وقراً﴾ أي شيئاً ثقيلاً يمنع سماعهم السماع النافع بالقصور في إدراكهم لا في بيانه، فرؤيتهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حال التلاوة غير صحيحة كما أن سمعهم وإدراكهم لما يقرأه كذلك كما قال تعالى ﴿ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة﴾ [ البقرة : ٧ ] ﴿وإذا ذكرت ربك﴾ أي المحسن إليك وإليهم ﴿في القرءان﴾ حال كونه ﴿وحده﴾ مع الإعراض عن آلهتهم ﴿ولوا﴾ وحقق المعنى وصوره بما يزيد في بشاعته تنفيراً عنه فقال :﴿على أدبارهم نفوراً﴾ مصدر من غير اللفظ مؤكد لأنه محصّل لمعناه، أو جمع نافر كقاعد وقعود.


الصفحة التالية
Icon