قوله تعالى ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (١١) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (١٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان هذا من العجائب التي تضاءل عندها العجائب، والغرائب التي تخضع لديها الغرائب، وإن صارت مألوفة بكثرة التكرار، والتجلي على الأبصار، هذا إلى ما له من الآيات التي تزيد على العد، ولا يحصر بحد، من خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب - وغير ذلك، حقر آية أصحاب الكهف - وإن كانت من أعجب العجب - لاضمحلالها في جنب ذلك، لأن الشيء إذا كان كذلك كثر ألفه فلم يعد عجباً، فنبه على ذلك بقوله تعالى عطفاً على ما تقديره : أعلمت أن هذا وغيره من عجائب قدرتنا؟ :﴿أم حسبت﴾ على ما لك من العقل الرزين والرأي الرصين ﴿أن أصحاب الكهف﴾ أي الغار الواسع المنقور في الجبل كالبيت ﴿والرقيم﴾ أي القرية أو الجبل ﴿كانوا﴾ هم فقط ﴿من ءاياتنا عجباً﴾ على ما لزم من تهويل السائلين من الكفرة من اليهود والعرب، والواقع أنهم - وإن كانوا من العجائب - ليسوا بعجب بالنسبة إلى كثرة آياتنا، وبالنسبة إلى هذا العجب النباتي الذي أعرضتم عنه بإلفكم له من كثرة تكرره فيكم، فإنه سبحانه أخرج نبات الأرض على تباين أجناسه، واختلاف ألوانه وأنواعه، وتضاد طبائعه، من مادة واحدة، يهتز بالينبوع، يبهج الناظرين ويروق المتأملين، ثم يوقفه ثم يرده باليبس والتفرق إلى التراب فيختلط به حتى لا يميزه عن بقية التراب، ثم يرسل الماء فيختلط بالتراب فيجمعه أخضر يانعاً يهتز بالنمو على أحسن ما كان، وهكذا كل سنة، فهذا بلا شك أعجب حالاً ممن حفظت أجسامهم مدة عن التغير ثم ردت أرواحهم فيها، وقد كان في سالف الدهر يعمر بعض الناس أكثر من مقدار ما لبثوا، وهذا الكهف - قيل : هو في جبال بمدينة طرسوس وهو المشهور، وقال أبو حيان : قيل : هو في الروم، وقيل : في الشام، وقيل : في الأندلس، قال : في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة، وأكثرهم قد انجرد لحمه، وبعضهم متماسك وقد مضت القرون