قوله تعالى ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
قيل في جواب من كأنه قال : ماذا قال له ربه الذي أحسن الظن به؟ :﴿يا زكريا إنا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿نبشرك﴾ إجابة لدعائك ؛ وقراءة الجماعة غير حمزة بالتشديد أوفق من قراءة حمزة للتأكيد الذي جيء به، لأن المبشر به لغرابته جدير بالإنكار ﴿بغلام اسمه يحيى﴾ ثم وصفه بما عرف به أن مما شرفه به أن ادخر له هذا الاسم فقال :﴿لم نجعل له﴾ فيما مضى، ولعله أتى بالجار الدال على التبعيض تخصيصاً لزمان بني إسرائيل قومه فقال :﴿من قبل سمياً﴾ فكأنه قيل : ما قال في جواب هذه البشارة العظمى؟ فقيل :﴿قال﴾ عالماً بصدقها طالباً لتأكيدها، والتلذيذ بترديدها، وهل ذلك من امرأته أو غيرها؟ وهل إذا كان منها يكونان على حالتهما من الكبر أو غيرها غير طائش ولا عجل ﴿رب﴾ أي المحسن إليّ بإجابة دعائي دائماً ﴿أنّى﴾ أي من أين وكيف وعلى أيّ حال ﴿يكون لي غلام﴾ يولد لي على غاية القوة والنشاط والكمال في الذكورة ﴿وكانت﴾ أي والحال أنه كانت ﴿امرأتي﴾ كانت شابة ﴿عاقراً﴾ غير قابلة للولد عادة وأنا وهي شابان فلم يأتنا ولد لاختلال أحد السبيبن فكيف بها وقد أسنت! ﴿وقد بلغت﴾ أنا ﴿من الكبر عتياً﴾ أي أمراً في اليبس مجاوزاً للحد هو غاية في الكبر ما بعدها غاية، وقد حصل من ذلك من الضعف ويبس الأعضاء وقحلها ما يمنع في العادة من حصول الولد مطلقاً لاختلال السببين معاً فضلاً عن أن يصلح لأن يعبر عنه بغلام ؛ قال البغوي في آل عمران : وقال الضحاك عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : كان ابن عشرين ومائة سنة، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة ؛ وقال الرازي في اللوامع : إن هذا على الاستخبار أيعطيه الله الولد بتلك الحال أم يقلبه شاباً؟ ولله تعالى في كل صنع تدبيران : أحدهما المعروف الذي يسلكه الناس من توجيه الأسباب إلى المسببات، والآخر يتعلق بالقدرة المحضة، ولا يعرفه إلا أهل الاستبصار - انتهى.