قوله تعالى ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (١٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ثم علل الأمر بالعبادة بأنه لم يخلق الخلق سدى، بل لا بد من إماتتهم، ثم بعثهم لإظهار العظمة ونصب موازين العدل، فقال مؤكداً لإنكارهم معبراً بما يدل على سهولة ذلك عليه جداً :﴿إن الساعة ءاتية﴾ أي لاريب في إتيانها، فهي أعظم باعث على الطاعة.
ولما كان بيان حقيقة الشيء مع إخفاء شخصه ووقته وجميع أحواله موجباً في الغالب لنسيانه والإعراض عنه، فكان غير بعيد من إخفائه أصلاً ورأساً، قال مشيراً إلى هذا المعنى :﴿أكاد أخفيها﴾ أي أقرب من أن أجدد إخفاءها، فلذا يكذب بها الكافر بلسانه والعاصي بعصيانه فالكافر لا يصدق بكونها والمؤمن لا يستعد غفلة عنها، فراقبني فإن الأمر يكون بغتة، ما من لحظة إلا وهي صالحة للترقب ؛ ثم بين سبب الإتيان بها بقوله :﴿لتجزى﴾ أي بأيسر أمر وأنفذه ﴿كل نفس﴾ كائنة من كانت ﴿بما تسعى﴾ أي توجد من السعي في كل وقت كما يفعل من أمر ناساً بعمل من النظر في أعمالهم ومجازاة كل بما يستحق.
ولما كانت - لما تقدم - في حكم المنسي عند أغلب الناس قال :﴿فلا يصدنك عنها﴾ أي إدامة ذكرها ليثمر التشمير في الاستعداد لها ﴿من لا يؤمن بها﴾ بإعراضه عنها وحمله غيره على ذلك بتزيينه بما أوتي من المتاع الموجب للمكاثرة المثمرة لامتلاء القلب بالمباهاة والمفاخرة، فإن من انصد عن ذلك غير بعيد الحال ممن كذب بها، والمقصود من العبارة نهي موسى عليه السلام عن التكذيب، فعبر عنه بنهي من لا يؤمن عن الصد إجلالاً لموسى عليه السلام، ولأن صد الكافر عن التصديق سبب للتكذيب فذكر السبب ليدل على المسبب، ولأن صد الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين ولين شكيمته فذكر المسبب ليدل على السبب، فكأنه قيل : كن شديد الشكيمة صليب المعجم، لئلا يطمع أحد في صدك وإن كان الصاد هم الجم الغفير، فإن كثرتهم تصل إلى الهوى لا إلى البرهان، وفي هذا حث عظيم على العمل بالدليل، وزجر بليغ عن التقليد، وإنذار بأن الهلاك والردى مع التقليد وأهله نبه عليه الكشاف.
ثم بين العلة في التكذيب بها والكسل عن التشمير لها بقوله :﴿واتبع﴾ أي بغاية جهده ﴿هواه﴾ فكان حاله حال البهائم التي لا عقل لها، تنفيراً عن مثل حاله ؛ ثم أعظم التحذير بقوله مسبباً :﴿فتردى﴾ أي فتهلك، إشارة إلى أن من ترك المراقبة لحظة حاد عن الدليل، ومن حاد عن الدليل هلك. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ١٤ ـ ١٥﴾