قوله تعالى ﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (٣٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تم ذلك، كان موضع توقع الجواب، فأتبعه قوله :﴿قال﴾ أي الله :﴿قد أوتيت﴾ بأسهل أمر ﴿سؤلك﴾ أي ما سألته ﴿يا موسى﴾ من حل عقدة لسانك وغير ذلك ولو شئت لم أفعل ذلك ولكني فعلته منة مني عليك.
ولما كان إنجاؤه من فرعون يث ولد في السنة التي يذبح فيها الأبناء - قالوا : وهي الرابعة من ولادة هارون عليه السلام - بيد فرعون وفي بيته أمراً عظيماً، التفت إلى مقام العظمة مذكراً له بذلك تنويراً لبصيرته وتقوية لقلبه، إعلاماً بأنه ينجيه منه الآن، كما أنجاه في ذلك الزمان، ويزيده بزيادة السن والنبوة خيراً، فيجعل عزه في هلاكه كما جعل إذ ذاك عزه في وجوده فقال :﴿ولقد مننا﴾ أي أنعمنا إنعاماً مقطوعاً به على ما يليق بعظمتنا ﴿عليك﴾ فضلاً منا ﴿مرة أخرى﴾ غير هذه ؛ ثم ذكر وقت المنة فقال :﴿إذ﴾ أي حين ﴿أوحينا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿إلى أمك﴾ أي بالإلهام ﴿ما﴾ يستحق لعظمته أن ﴿يوحى﴾ به، ولا يعلمه إلا نبي أو من هو قريب من درجة النبوة ؛ ثم فسره بقوله :﴿أن اقذفيه﴾ أي ألقي ابنك ﴿في التابوت﴾ وهو الصندوق، فعلوت من التوب الذي معناه تفاؤلاً به، وقال الحرالي : هو وعاء ما يعز قدره، والقذف مجاز عن المسارعة إلى وضعه من غير تمهل لشيء أصلاً، إشارة إلى أنه فعل مضمون السلامة كيف ما كان، والتعريف لأنه نوع من الصناديق أشد الناس معرفة به بنو إسرائيل ﴿فاقذفيه﴾ أي موسى عليه السلام عقب ذلك بتابوته، أو التابوت الذي فيه موسى عليه السلام ﴿في اليم﴾ أي البحر وهو النيل.


الصفحة التالية
Icon