قوله تعالى ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (٨٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان هذا موجباً للتشوف إلى ما وقع لبني إسرائيل بعده، قال تعالى شافياً لهذا الغليل، أقبلنا على بني إسرائيل ممتنين بما مضى وما يأتي قائلين :﴿يا بني إسرائيل﴾ معترفين لهم أنا نظرنا إلى السوابق فأكرمناهم لأجل أبيهم.
ولما كان درء المفاسد وإزالة الموانع قبل جلب المصالح واستدرار المنافع قال :﴿قد أنجيناكم﴾ بقدرتنا الباهرة ﴿من عدوكم﴾ الذي كنتم أحقر شيء عنده.
ولما تفرغوا لإنفاذ ما يراد منهم من الطاعة قال :﴿وواعدناكم﴾ أي كلكم - كما مضى في البقرة عن نص التوراة - للمثول بحضرتنا والاعتزاز بمواطن رحمتنا ﴿جانب الطور الأيمن﴾ أي الذي على أيمانكم في توجهكم هذا الذي وجوهكم فيه إلى بيت أبيكم إبراهيم عليه السلام، وهو جانبه الذي يلي البحر وناحية مكة واليمن.
ولما بدأ بالمنفعة الدينية، ثنى بالمنفعة الدنيوية فقال :﴿ونزلنا عليكم﴾ بعد إنزال هذا الكتاب في هذه المواعدة لإنعاش أرواحكم ﴿المن والسلوى﴾ لإبقاء أشباحكم، فبدأ بالإنجاء الممكن من العبادة، ثم أتبعه بنعمة الكتاب الدال عليها، ثم بالرزق المقوي، ودل على نعمة الإذن فيه بقوله :﴿كلوا﴾ ودل على سعته بقوله :﴿من طيبات ما﴾ ودل على عظمته بقوله :﴿رزقناكم﴾ من ذلك ومن غيره.
ولما كان الغنى والراحة سبب السماحة، قال :﴿ولا تطغوا فيه﴾ بالادخار إلى غد في غير يوم الجمعة ولا بغير ذلك من البطر وإغفال الشكر بصرفه في غير الطاعة ﴿فيحل﴾ أي ينزل ويجب في حينه الذي هو أولى الأوقات به - على قراءة الجماعة بالكسر، ونزولاً عظيماً وبروكاً شديداً - على قراءة الكسائي بالضم ﴿عليكم غضبي﴾ فتهلكوا لذلك ﴿و﴾ كل ﴿من يحلل عليه غضبي﴾ منكم ومن غيركم ﴿فقد هوى﴾ أي كان حاله حال من سقط من علو.