قوله تعالى ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (١٠٢) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (١٠٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ثم شرح لهم بعض أحوال ذلك اليوم من ابتدائه، فقال مبدلاً من " يوم القيامة " :﴿يوم ينفخ﴾ أي بعظمتنا - على قراءة أبي عمرو بالنون مبنياً لفاعل، ودل على تناهي العظمة بطريقة كلام القادرين في قراءة الباقين بالياء مبنياً للمفعول ﴿في الصور﴾ فيقوم الموتى من القبور ﴿ونحشر﴾ أي بعظمتنا ﴿المجرمين﴾ منهم الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وعدل عن أن يقول : ونحشرهم - لبيان الوصف الذي جره لهم : الإعراض عن الذكر ﴿يومئذ﴾ أي يوم القيامة، ويكون لهم ما تقدم ﴿زرقاً﴾ أي زرق العيون والجسوم على هيئة من ضرب فتغير جسمه، حال كونهم ﴿يتخافتون ﴾.
ولما كان التخافت - وهو المسارّة بالكلام - قد يكون بين اثنين من قبيلتين، فيكون كل منهما خائفاً من قومه أقل عاراً مما لو كانا من قبيلة واحدة، لأنه يدل على أن ذلك الخوف طبع لازم، قال دالاً على لزومه وعمومه :﴿بينهم﴾ أي يتكلمون خافضي أصواتهم من الهيبة والجزع.
ولما كانت الزرقة أبغض ألوان العيون إلى العرب لعدم إلفهم لها، والمخافتة أبغض الأصوات إليهم لأنها تدل عندهم على سفول الهمة والجبن وكانوا من الزرقة أشد نفرة لأن المخافتة قد يتعلق بها غرض.
رتبهما سبحانه كذلك، ثم بين ما يتخافتون به فقال :﴿إن﴾ أي يقول بعضهم لبعض : ما ﴿لبثتم﴾ أي في الدنيا استقصاراً لمدة إقامتهم في غيب ما بدا لهم من المخاوف، أو غلطاً ودهشة ﴿إلا عشراً﴾ أي عقداً واحداً، لم يزد على الآحاد إلا بواحد، وهو لو أنه سنون سن من لم يبلغ الحلم، فكيف إذا كان شهوراً أو أياماً فلم يعرفوا لذة العيش بأيّ تقدير كان.


الصفحة التالية
Icon