قوله تعالى ﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ثم عطف أيضاً على ما لزم من ذلك القذف قوله :﴿وله من في السماوات﴾ أي الأجرام العالية وهي ما تحت العرش، وجمع السماء هنا لا قتضاء تعميم الملك ذلك.
ولما كانت عقولهم لا تدرك تعدد الأراضي، وحد فقال :﴿والأرض﴾ أي ومن فيها، وذلك شامل - على أن التعبير بمن لتغليب العقلاء - للسماوات والأرض، لأن الأرض في السماوات، وكل سماء في التي فوقها، والعليا في العرش وهو سبحانه ذو العرش العظيم - كما سيأتي قريباً، فدل ذلك دلالة عقلية على أنه مالك الكل وملكه.
ولما كانوا يصفون الملائكة بما لهم الويل من وصفه، خصهم بالذكر معبراً عن خصوصيتهم وقربهم بالعندية تمثيلاً بما نعرف من أصفياء الملوك عند التعبير بعند من مجرد القرب في المكانة لا في المكان فقال :﴿ومن عنده﴾ أي هم له حال كونهم ﴿لا يستكبرون عن عبادته﴾ بنوع كبر طلباً ولا إيجاداً ﴿ولا يستحسرون﴾ أي ولا يطلبون أن ينقطعوا عن ذلك فأنتج ذلك قوله :﴿يسبحون﴾ أي ينزهون المستحق للتنزيه بأنواع التنزيه من الأقوال والأفعال التي هي عبادة، فهي مقتضية مع نفي النقائص إثبات الكمال ﴿الّيل والنهار﴾ أي في جميع آنائهما دائماً.
ولما لم يصرح هنا بإنكار منهم، ولا ما يستلزمه من الاستكبار، لم يؤكد لا عطف بالواو فقال :﴿لا يفترون﴾ عن ذلك في وقت من الأوقات بخلاف ما في ﴿فصلت﴾ فإن الأمر فيها مبني على حد استكبارهم المستلزم لأنكارهم المقتضي للتأكيد، وكل هذا في حيز ﴿إذا﴾ أي إذا أنزلنا شيئاً من القرآن منبهاً على أقاويلكم مبيناً لأباطيلكم، فاجأه ظهور الزهوق للباطل، والويل لكم والملك له سبحانه منزهاً عن كل نقص ثابتاً له بالعبادة كل كمال، ويجوز أن يعطف على ﴿نقذف ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٧٤﴾