قوله تعالى ﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تبين الخلف في قولهم على كثرته وادعائهم الحكمة والبلاغة، وفعلهم على كثرتهم وزعمهم القوة والشجاعة، ثبت أن أقواله الناقضة لذلك من عند الله بما ثبت من استقامة معانيها وإحكامها، بعدما اتضح من إعجاز نظومها وحسن التئامها، فأمره أن يبين لهم ذلك بقوله :﴿قل إنما أنذركم﴾ أيها الكفار ﴿بالوحي﴾ أي الآتي به الملك عن الله فلا قدح في شيء من نظمه ولا معناه والحال أنكم لا تسمعون - على قراءة الجماعة والحال أنك لا تسمعهم - على قراءة ابن عامر بضم الفوقانية وكسر الميم ونصب الصم خاصة، ولكنهم لما كانوا لا ينتفعون بإنذاره لتصامّهم وجعلهم أصابعهم في آذانهم وقت الإنذار عدهم صماً، وأظهر الوصف لتعليق الحكم به فقال :﴿ولا يسمع الصم الدعاء﴾ أي ممن يدعوهم، أو يكون معطوفاً على ما تقديره : فإن كانت أسماعكم صحيحة سمعتم فأجبتم، ونبه بقوله :﴿إذا ما ينذرون﴾ على أن المانع لهم مع الصمم كراهة الإنذار، وبالبناء للمفعول على منذر.
ولما كان المنذر لا يترك الاستعداد لما ينذر به من العذاب إلا إذا كان قوياً على دفعه.
بيّن أنهم على غير ذلك فقال :﴿ولئن﴾ أي لا يسمعون والحال أنه لا قوة بهم، بل إن ﴿مستهم﴾ أي لاقتهم أدنى ملاقاة ﴿نفحة﴾ أي رائحة يسيرة مرة من المرات ﴿من عذاب ربك﴾ المحسن إليك بنصرك عليهم ﴿ليقولن﴾ وقد أذهلهم أمرها عن نخوتهم.
وشغلهم قدرها عن كبرهم وحميتهم :﴿يا ويلنا﴾ الذي لا نرى الآن بحضرتنا غيره ﴿إنا كنا﴾ أي بما لنا مما هو في ثباته كالجبلات ﴿ظالمين﴾ أي عريقين في الظلم في إعراضنا وتصامّنا ترفقاً وتذللاً لعله يكف عنهم.


الصفحة التالية
Icon