قوله تعالى ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (٩٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما دل ما مضى من قصص هؤلاء الأنبياء وغيرهم على أن لله القدرة الباهرة، القوة البالغة الشاملة للبعث وغيره، وكان ذلك دالاًّ على التوحيد الذي هو أصل الدين، وأنهم كلهم متفقون عليه بالتصريح من البعض هنا ومن الباقين فيما سبق، كان إثباته فذلكة هذه القصص وما تقدمها من هذه السورة، فلذلك اتصل به قوله مخاطباً لمن قال لهم : أفأنتم له منكرون :﴿إن هذه﴾ أي الأنبياء الذين أرسلناهم قبل نبيكم ـ ﷺ ـ رجالاً نوحي إليهم كما أنه رجل نوحي إليه لا آباؤكم ولا ما وجدتموه عليه ﴿أمتكم﴾ أي مقصودكم أيها الخلق بالاقتداء في الاهتداء، حال كونها ﴿أمة﴾ قال البغوي : وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد - انتهى.
وأكد سبحانه هذا المعنى فقال :﴿واحدة﴾ كما في الخبر أنهم أولاد علات.
أمهاتهم شتى ودينهم واحد.
لا اختلاف بينهم أصلاً في التوحيد الذي هو الأصل ولا في توجيه الرغبات إلينا، وقصر النظر علينا، علماً منهم بما لنا من صفات الكمال، وأن كل شيء فإلينا مفتقر، ولدينا خاضع منكسر، فاتبعوهم في ذلك، لا تحيدوا عنهم تضلوا، وإنما فرقناهم وجعلناهم عدداً بحسب الأمم المتشعبة في الأزمان المتطاولة، وأنا لم نجعل لأحد منهم الخلد، ولغير من الحكم، فبثثناهم في الأقطار، حتى ملؤوها من الأنوار.


الصفحة التالية
Icon