قوله تعالى ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٢٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قسم الناس إلى مخالف ومؤالف، أتبعه جزاءهم بما يرغب المؤالف ويرهب المخالف على وجه موجب للأمر بالمعروف الذي من جملته الجهاد لوجهه خالصاً فقال :﴿هذان﴾ أي الساجد والجاحد من جميع الفرق ﴿خصمان﴾ لا يمكن منهما المسالمة الكاملة إذ كل منهما في طرف.
ولما أشار بالتثنية إلى كل فرقة منهم صارت - مع كثرتها وانتشارها باتحاد الكلمة في العقيدة - كالجسد الواحد، صرح بكثرتهم بالتعبير بالجمع فقال :﴿اختصموا﴾ أي أوقعوا الخصومة بغاية الجهد، ولما كانت الفرق المذكورة كلها مثبتة وقد جحد أكثرهم النعمة، قال :﴿في ربهم﴾ أي الذي هم بإحسانه إليهم معترفون، لم يختصموا بسبب غيره أصلاً، وحمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وعبيدة بن الحارث وعلي بن أبي طالب - الذين هم أول من برز للمخاصمة بحضرة رسول الله - صلى الله عليه ورضي عنهم - للكفرة من بني عمهم : عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، في غزوة بدر - أولى الناس بهذه الآية لما روي في الصحيح عن أبي ذر ـ رضى الله عنهم ـ " أنه كان يقسم أنها نزلت فيهم، ولذلك قال ـ رضى الله عنهم ـ : أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن عز وجل يوم القيامة للخصومة " أخرجه البخاري في صحيحه، ولعله ـ رضى الله عنهم ـ أول الثلاثة، قام لمنابذتهم النبي ـ ﷺ ـ فإنه كان أشبّهم.