قوله تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما لاح من ذلك أن الشيطان ألقى للكفار شبهاً، يعاجزون بها بجدالهم في دين الله الذي أمر رسوله محمداً ـ ﷺ ـ بإظهاره، وتقرير وإشهاره، عطف عليه تسلية له ـ ﷺ ـ قوله :﴿وما أرسلنا﴾ أي بعظمتنا ﴿من قبلك﴾ ثم أكد الاستغراق بقوله :﴿من رسول﴾ أي من ملك أو بشر بشريعة جديدة يدعو إليها ﴿ولا نبي﴾ سواء كان رسولاً أو لا، مقرر بالحفظ لشريعة سابقة - كذا قال البيضاوي وغيره في الرسول وهو منقوص بأنبياء بني أسرائيل الذين بين موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، فإن الله تعالى سماهم رسلاً في غير آية منها ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل﴾ [ البقرة : ٨٧ ] فالصواب أن يقال : النبي إنسان أوحي إليه بشرع جديد أو مقرر، فإن أمر بالتبليغ فرسول أيضاً، والتقييد بشرع لإخراج مريم وغيرها من الأولياء ﴿إلا إذا تمنى﴾ أي تلا على الناس ما أمره الله به أو حدثهم به واشتهى في نفسه أن يقبلوه حرصاً منه على إيمانهم شفقة عليهم ﴿ألقى الشيطان في أمنيته﴾ أي ما تلاه أو حدث به واشتهى أن يقبل، من الشبه والتخيلات ما يتلقفه منه أولياءه فيجادلون به أهل الطاعة ليضلوهم


الصفحة التالية
Icon