قوله تعالى ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
( بسم الله ) الذي له الأمر كله، فلا راد لأمره ( الرحمن ) الذي من عموم رحمته الإبلاغ في البيان ( الرحيم ) الذي خص من أراد بالإيمان.
لما ختمت الحج بناء الذين آمنوا وأمرهم بأمور الدين خاصة وعامة، وختم بالصلاة والزكاة والعصمة به سبحانه موصفاً بما ذمر، أوجب ذلك توقع المادين كل خير، فابتدأت هذه بما يثمر الاعتصام به سبحانه في الصلاة وغيرها من خلال الدين في الدارين، فقال تعالى مفتتحاً بحرف التوقع :
﴿قد﴾ وهي نقيضة لما تثبت المتوقع وتقرب الماضي من الحال ولما تنفيه ﴿أفلح﴾ أي فاز وظفر الآن بكل ما يريد، ونال البقاء الدائم في الخير ﴿المؤمنون﴾ وعبر بالاسم إشارة إلى أن من أقر بالإيمان وعمل بما أمر به في آخر التي قبلها، استحق الوصف الثابت لأنه اتقى وأنفق مما رزق فأفلح ﴿ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون﴾ [ الحشر : ٩ ] ؛ ثم قيدهم بما يلزم من الصدق في الإيمان فقال :﴿الذين هم﴾ أي بضمائرهم وظواهرهم ﴿في صلاتهم﴾ أضيفت إليهم ترغيباً لهم في حفظها، لأنها بينهم وبين الله تعالى، وهو غني عنها، فهم المنتفعون بها ﴿خاشعون﴾ أي أذلاء ساكنون متواضعون مطمئنون قاصرون بواطنَهم وظواهرهم على ما هم فيه ؛ قال الرازي : خائفون خوفاً يملأ القلب حرمة، والأخلاق تهذيباً، والأطراف تأديباً، أي خشية أن ترد عليهم صلاتهم، ومن ذلك خفض البصر إلى موضع السجود، قال الرازي : فالعبد إذا دخل في الصلاة رفع الحجاب، وإذا التفت أرخى، قال : وهو خوف ممزوج بتيقظ واستكانة، ثم قد يكون في المعاملة إيثاراً ومجاملة و إنصافاً ومعدله، وفي الخدمة حضوراً واستكانة.
وفي السر تعظيماً وحياء وحرمة، والخشوع في الصلاة بجمع الهمة لها، والإعراض عما سواها، وذلك بحضور القلب والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء، وإذا كان هذا حالهم في الصلاة التي هي أقرب القربات.
فهم به فيما سواها أولى.


الصفحة التالية
Icon