قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (٦١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر أهل الافتراق، أتبعهم أهل النفاق، فكان كأنه قيل : فمن الذي يكون له الخيرات؟ فأجيب بأنه الخائف من الله، فقيل معبراً بما يناسب أول السورة من الأوصاف، بادئاً بالخشية لأنها الحاملة على تجديد الإيمان :﴿إن الذين هم﴾ أي ببواطنهم ﴿من خشية ربهم﴾ أي الخوف العظيم من المحسن إليهم المنعم عليهم ﴿مشفقون﴾ أي دائمو الحذر ﴿والذين هم بآيات ربهم﴾ المسموعة والمرئية، لا ما كان من جهة غيره ﴿يؤمنون﴾ لا يزال إيمانهم بها يتجدد شكراً لإحسانه إليهم.
ولما كان المؤمن قد يعرض له ما تقدم في إيمانه من شرك جلي أو خفي، قال :﴿والذين هم بربهم﴾ أي الذي لا محسن إليهم غيره وحده ﴿لا يشركون﴾ أي شيئاً من شرك في وقت من الأوقات كما لم يشركه في إحسانه إليهم أحد.
ولما أثبت لهم الإيمان الخالص، نفى عنهم العجب بقوله :﴿والذين يؤتون ما آتوا﴾ أي يعطون ما أعطوا من الطاعات، وكذا قراءة يحيى بن الحارث وغيره : يأتون ما أتوا، أي يفعلون ما فعلوا من أعمال البر لتتفق القراءتان في الإخبار عنهم بالسبق ؛ ثم ذكر حالهم فقال :﴿وقلوبهم وجلة﴾ أي شديدة الخوف، قد ولج في دواخلها وجال في كل جزء منها لأنهم عالمون بأنهم لا يقدرون الله حق قدره وإن اجتهدوا، ثم علل ذلك بقوله :﴿أنهم إلى ربهم﴾ أي الذي طال إحسانه إليهم ﴿راجعون﴾ بالبعث فيحاسبهم على النقير والقطمير، ويجزيهم بكل قليل و كثير وهو النافذ البصير، قال الحسن البصري : إن المؤمن حمع إيماناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً.


الصفحة التالية
Icon