قوله تعالى ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٩٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أنكروا البعث هذا الإنكار المؤكد، ونفوه هذا النفي المحتم، أمره أن يقررهم بأشياء هم بها مقرون، ولها عارفون، يلزمهم من تسليمها الإقرار بالبعث قطعاً، فقال :﴿قل﴾ أي مجيباً لإنكارهم البعث ملزماً لهم :﴿لمن الأرض﴾ أي على سعتها وكثرة عجائبها ﴿ومن فيها﴾ على كثرتهم واختلافهم ﴿إن كنتم﴾ أي بما هو كالجبلة لكم ﴿تعلمون﴾ أي أهلاً للعلم، وكأنه تنبيه لهم على أنهم أنكروا شيئاً لا ينكره عاقل.
ولما كانوا مقرين بذلك، أخبر عن جوابهم قبل جوابهم، ليكون من دلائل النبوة وأعلام الرسالة بقوله استئنافاً :﴿سيقولون﴾ أي قطعاً : ذلك كله ﴿لله﴾ أي المختص بصفات الكمال.
ولما كان ذلك دالاً على الوحدانية والتفرد بتمام القدرة من وجهين : كون ذلك كله له، وكونه يخبر عن عدوه بشيء فلا يمكنه التخلف عنه، قال :﴿قل﴾ أي لهم إذا قالوا لك ذلك منكراً عليهم تسبيبه لعدم تذكرهم ولو على أدنى الوجوه بما أشار إليه الإدغام :﴿أفلا تذكرون﴾ أي بذلك المركوز في طباعكم المقطوع به عندكم، ما غفلتم عنه من تمام قدرته وباهر عظمته، فتصدقوا ما أخبر به من البعث الذي هو دون ذلك، وتعلموا أنه لا يصلح شيء منها - وهو ملكه - أن يكون شريكاً له ولا ولداً، وتعلموا أنه لا يصح في الحكمة أصلاً أنه يترك البعث لأن أقلكم لا يرضى بترك حساب عبيده والعدل بينهم.
ولما ذكرهم بالعالم السفلي لقربه، تلاه بالعلوي لأنه أعظم فقال على ذلك المنوال مرقياً لهم إليه :﴿قل من رب﴾ أي خالق ومدبر ﴿السماوات السبع﴾ كما تشاهدون من حركاتها وسير نجومها ﴿ورب العرش العظيم﴾ الذي أنتم به معترفون ﴿سيقولون لله﴾ أي الذي له كل شيء هو رب ذلك - على قراءة البصريين، والتقدير لغيرهما : ذلك كله لله، لأن معنى من رب الشيء : لمن الشيء، فتفيد اللام الملك صريحاً مع إفادة الرب التدبير.
ولما تأكد الأمر وزاد الوضوح، حسن التهديد على التمادي فقال :﴿قل﴾ منكراً عليهم عدم تسبيبه لهم التقوى :﴿أفلا تتقون﴾ أي تجعلون بينكم وبين حلول السخط من هذا الواسع الملك التام القدرة وقاية بالمتاب من إنكار شيء يسير بالنسبة إلى هذا الملك العظيم هين عليه.
ولما قررهم بالعالمين : العلوي والسفلي، أمره بأن يقررهم بما هو أعم منهما وأعظم، فقال :﴿قل من بيده﴾ أي خاصة ﴿ملكوت كل شيء﴾ أي من العالمين وغيرهما، والملكوت الملك البليغ الذي لا نقص فيه بوجه ؛ قال ابن كثير : كانت العرب إذا كان السيد فيهم فأجار أحداً لا يخفر في جواره وليس لمن دونه أن يجيرعليه لئلا يفتات عليه.


الصفحة التالية
Icon