قوله تعالى ﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (١١١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ثم استأنف جوابهم بقوله :﴿قالوا ربنا﴾ أيها المسبغ علينا نعمه ﴿غلبت علينا شقوتنا﴾ أي أهواؤنا التي قادتنا إلى سوء الأعمال اليت كانت سبباً ظاهراً للشقاوة.
ولما كان التقدير : فكنا معها كالمأسورين، تؤزنا إليها الشياطين أزاً، عطف عليه قوله ﴿وكنا﴾ أي بما جبلنا عليه ﴿قوماً ضالين﴾ في ذلك عن الهدى، أقوياء في موجبات الشقوة، فكان سبباً للضلال عن طريق السعادة.
ولما تضمن هذا الإقرار الاعتذار، وكان ذلك ربما سوغ الخلاص، وصلوا به قولهم :﴿ربنا﴾ يا من عودنا بالإحسان ﴿أخرجنا منها﴾ أي النار تفضلاً منك على عادة فضلك، وردّنا إلى دار الدنيا لنعمل ما يرضيك ﴿فإن عدنا﴾ إلى مثل تلك الضلالات ﴿فإنا ظالمون﴾ فاستؤنف جوابهم بأن ﴿قال﴾ لهم كما يقال للكلب :﴿اخسئوا﴾ أي انزجروا زجر الكلب وانطردوا عن مخاطبتي ساكتين سكوت هوان ﴿فيها﴾ أي النار ﴿ولا تكلمون﴾ أصلاً، فإنكم لستم أهلاً لمخاطبتي، لأنكم لم تزالوا متصفين بالظلم، ومنه سؤالكم هذا المفهم لأن اتصافكم به لا يكون إلا على تقدير عودكم بعد إخراجكم.
ولما كانت الشماتة أسر السرور للشامت وأخزى الخزي للمشموت به، علل ذلك بقوله :﴿إنه كان﴾ أي كوناً ثابتاً ﴿فريق﴾ أي ناس استضعفتموهم فهان عليكم فراقهم لكم وفراقكم لهم وظننتم أنكم تفرقون شملهم ﴿من عبادي﴾ أي الذين هم أهل للإضافة إلى جنابي لخلوصهم عن الأهواء ﴿يقولون﴾ مع الاستمرار :﴿ربنا﴾ أيها المحسن إلينا بالخلق والرزق ﴿آمنا﴾ أي أوقعنا الإيمان بجميع ما جاءتنا به الرسل لوجوب ذلك علينا لأمرك لنا به.
ولما كان عظم المقام موجباً لتقصير العابد، وكان الاعتراف بالتقصير جابراً له قالوا :﴿فاغفر لنا﴾ أي استر بسبب إيماننا عيوبنا التي كان تقصيرنا بها ﴿وارحمنا﴾ أي افعل بنا فعل الراحم من الخير الذي هو على صورة الحنو والشفقة والعطف.
ولما كان التقدير : فأنت خير الغافرين، فإنك إذا سترت ذنباً أنسيته لكل أحد حتى للحفظة، عطف عليه قوله :﴿وأنت خير الراحمين﴾ لأنك تخلص مَنْ رحمته من كل شقاء وهوان، بإخلاص الإيمان، والخلاص من كل كفران.


الصفحة التالية
Icon