قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ثم علل ما اقتضته ﴿لولا﴾ من نحو : ولكنه لم يفعل ذلك إفضالا عليكم ورحمة لكم، بقوله على وجه التأكيد لما عرف من حال كثير ممن غضب لله ولرسوله من إرادة العقوبة للآفكين بضرب الأعناق، منبهاً لهم على أن ذلك يجر إلى مفسدة كبيرة :﴿إن الذين جاءو بالإفك﴾ أي أسوأ الكذب لأنه القول المصروف عن مدلوله إلى ضده، المقلوب عن وجهه إلى قفاه، وعرّف زيادة تبشيع له في هذا المقام، حتى كأنه لا إفك إلا هو لأنه في حق أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنه ـ ا وهي من أحق الناس بالمدحة لما كانت عليه من الحصانة والشرف والعفة والكرم، فمن رماها بسوء فقد قلب الأمر عن أحسن وجوهه إلى أقبح أقفائه، وترك تسميتها تنزيهاً لها عن هذا المقام، إبعاداً لمصون جانبها العلي عن هذا المرام ﴿عصبة﴾ أي جماعة أقلهم عشرة وأكثرهم أربعون، فهم لكونهم عصبة يحمى بعضهم لبعض فيشتد أمرهم، لأن مدار مادة " عصب " على الشدة، وهم مع ذلك ﴿منكم﴾ أي ممن يعد عندكم في عداد المسلمين، فلو فضحهم الله في جميع ما أسروه وأعلنوه، وأمركم بأن تعاقبوهم بما يستحقون على ذلك، لفسدت ذات البين، بحمايتهم لأنفسهم وهم كثير، وتعصّب أودّائهم لهم، إلا بأمر خارق يعصم به من ذلك كما كشفت عنه التجربة حين خطب النبي ـ ﷺ ـ وقال :
" من يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهلي " حين كادوا يقتتلون لولا أن سكنهم النبي صلى الله عليه سلم، فالله سبحانه برحمته بكم يمنع من كيدهم ببيان كذبهم، وبحكمته يستر عليهم ويخيفهم، لتنحسم مادة مكرهم، وتنقطع أسباب ضرهم.


الصفحة التالية
Icon