قوله تعالى ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما بين لهم بإقامة الدليل على كذب الخائضين في هذا الكلام أنهم استحقوا الملام، وكان ذلك مرغباً لأهل التقوى، بين أنهم استحقوا بالتقصير في الإنكار عموم الانتقام في سياق مبشر بالعفو، فقال عاطفاً على ﴿ولولا﴾ الماضية :﴿ولولا فضل الله﴾ أي المحيط بصفات الكمال ﴿عليكم ورحمته﴾ أي معاملته لكم بمزيد الإنعام، الناظر إلى الفضل والإكرام، اللازم للرحمة ﴿في الدنيا﴾ بقبول التوبة والمعاملة بالحلم ﴿والآخرة﴾ بالعفو عمن يريد أن يعفو عنه منكم ﴿لمسكم﴾ أي عاجلاً عموماً ﴿في ما أفضتم﴾ أي اندفعتم على أي وجه كان ﴿فيه﴾ بعضكم حقيقة، وبعضكم مجازاً بعدم الإنكار ﴿عذاب عظيم﴾ أي يحتقر معه اللوم والجلد، بأن يهلك فيتصل به عذاب الآخرة ؛ ثم بين وقت حلوله وزمان تعجيله بقوله :﴿إذ﴾ أي مسكم حين ﴿تلقونه﴾ أي تجتهدون في تلقي أي قبول هذا الكلام الفاحش وإلقائه ﴿بألسنتكم﴾ بإشاعة البعض وسؤال آخرين وسكوت آخرين ﴿وتقولون﴾ وقوله :﴿بأفواهكم﴾ تصوير لمزيد قبحه، وإشارة إلى أنه قول لا حقيقة له، فلا يمكن ارتسامه في القلب بنوع دليل ؛ وأكد هذا المعنى بقوله :﴿ما ليس لكم به علم﴾ أي بوجه من الوجوه، وتنكيره للتحقير ﴿وتحسبونه﴾ بدليل سكوتكم عن إنكاره ﴿هيناً وهو﴾ أي والحال أنه ﴿عند الله﴾ أي الذي لا يبلغ أحد مقدار عظمته ﴿عظيم﴾ أي في حد ذاته ولو كان في غير أم المؤمنين ـ رضى الله عنه ـ ا، فكيف وهو في جنابها المصون، وهي زوجة خاتم الأنبياء وإمام المرسلين عليه أفضل الصلاة وأفضل التسليم.