قوله تعالى ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أتم سبحانه ما أراد من قصة موسى عليه السلام، أتبعه دلالة على رحيميته قصة إبراهيم عليه السلام لما تقدم أنه شاركه فيه مما يسلي عما وقع ذكره عنهم من التعنتات في الفرقان، ولما اختص به من مقارعة أبيه وقومه في الأوثان، وهو أعظم آباء العرب، ليكون ذلك حاملاً لهم على تقليده في التوحيد إن كانوا لا ينفكون عن التقليد، وزاجراً عن استعظام تسفيه آبائهم في عبادتها، وتعبيره سبحانه للسياق قبل وبعد، وتعبيره بقوله :﴿واتل﴾ أي اقرأ قراءة متتابعة - مرجح للتقدير الأول في ﴿وإذ﴾ من جعله " اذكر " وتغييره في التعبير بها لسياق ما تقدم وما تأخر لتنبيه العرب على اتباعه لما لهم به من الخصوصية ﴿عليهم﴾ أي على هؤلاء المغترين بالأوثان، المنكرين لرسالة البشر ﴿نبأ إبراهيم﴾ أي خبره العظيم في مثل ذلك ﴿إذ﴾ أي حين ﴿قال لأبيه وقومه﴾ منبهاً لهم على ضلالهم، لا مستعلماً لأنه كان عالماً بحقيقة حالهم :﴿ما﴾ أي أي شيء، وصور لهم حالهم تنبيهاً لهم على قباحتها فعبر بالمضارع فقال :﴿تعبدون﴾ أي تواظبون على عبادته ﴿قالوا﴾ مبتهجين بسؤاله، مظهرين الافتخار في جوابهم بإطالة الكلام :﴿نعبد أصناماً فنظل﴾ أي فيتسبب عن عبادتنا لها أنا نوفي حق العبادة بأن ندوم ﴿لها عاكفين﴾ أي مطيفين بها على سبيل الموظبة متراكمين بعضنا خلف بعض حابسين أنفسنا تعظيماً لها، فجروا على منوال هؤلاء في داء التقليد الناشىء عن الجهل بنفس العبادة وبظنهم مع ذلك أنهم على طائل كبير، وأمر عظيم، ظفروا به، مع غفلة الخلق عنه - كما دل عليه خطابهم في هذا الكلام الذي كان يغني عنه كلمة واحدة، وهذا هو الذي أوجب تفسير الظلول بمطلق الدوام وإن كان معناه الدوام بقيد النهار، وكأنهم قصدوا بما يدل على النهار - الذي هو موضع الاشتغال والسهرة - الدلالة على الليل من باب الأولى، مع شيوع استعماله أيضاً مطلقاً نحو ﴿فظلت أعناقهم لها خاضعين﴾، وزاد قوم إبراهيم عليه