قوله تعالى ﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أراه سبحانه هذه الخارقة فيما كان في يده بقلب جوهرها إلى جوهر شيء آخر حيواني، أراه آية أخرى في يده نفسها بقلب عرضها الذي كانت عليه إلى عرض آخر نوراني، فقال :﴿وأدخل يدك في جيبك﴾ أي فتحة ثوبك، وهو ما قطع منه ليخيط بعنقك ﴿تخرج﴾ أي إذا أخرجتها ﴿بيضاء﴾ أي بياضاً عظيماً نيراً جداً، له شعاع كشعاع الشمس.
ولما كان ربما وقع في وهم أن هذه الآفة، قال :﴿من غير سوء﴾ أي برص ولا غيره من الآفات، آية أخرى كائنة ﴿في﴾ جملة ﴿تسع آيات﴾ كما تقدم شرحها في سورة الإسراء وغيرها، منتهية على يدك برسالتي لك ﴿إلى فرعون وقومه﴾ أي الذين هم أشد أهل هذا الزمان قياماً في الجبروت والعدوان ؛ ثم علل إرساله إليهم بالخوارق بقوله :﴿إنهم كانوا﴾ أي كوناً كأنه جبلة لهم ﴿قوماً فاسقين﴾ أي خارجين عن طاعتنا لتردهم إلينا.
ولما كان التقدير : فأتاهم كما أمرناهم فعاندوا أمرنا، قال منبهاً على ذلك، دالاً بالفاء على سرعة إتيانه إليهم امتثالاً لما أمر به :﴿فلما جاءتهم آياتنا﴾ أي على يده ﴿مبصرة﴾ أي سبب الإبصار لكونها منيرة ظاهرة جداً، فهي هادية لهم إلى الطريق الأقوم هداية النور لمن يبصر، فهو لا يخطىء شيئاً ينبغي أن ينتفع به ﴿قالوا هذا سحر﴾ أي خيال لا حقيقة له ﴿مبين﴾ أي واضح في أنه خيال ﴿وجحدوا﴾ أي أنكروا عالمين ﴿بها﴾ أي أنكروا كونها آيات موجبات لصدقه مع علمهم بإبطالهم لأن الجحود الإنكار مع العلم.


الصفحة التالية
Icon