قوله تعالى ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما فرغ من قصة القريب الذي دعا قومه فإذا هم قسمان، بعد الغريب الذي لم يختلف عليه ممن دعاهم اثنان، اتبعها بغريب لم يتبعه ممن دعاهم إنسان، فقال دالاً على أنه له سبحانه الاختيار، فتارة يجري الأمور على القياس، وأخرى على خلاف الأساس، الذي تقتضيه عقول الناس، فقال :﴿ولوطاً﴾ أي ولقد أرسلناه ؛ وأشار إلى سرعة إبلاغه بقوله :﴿إذ﴾ أي حين ﴿قال لقومه﴾ أي الذين كان سكن فيهم لما فارق عمه إبراهيم الخليل عليه السلام وصاهرهم، وكانوا يأتون الأحداث، منكراً موبخاً :﴿أتأتون﴾ ولما كان للإبهام ثم التعيين من هز النفس وترويعها ما ليس للتعيين من أول الأمر قال :﴿الفاحشة﴾ أي الفعلة المتناهية في القبح ﴿وأنتم تبصرون﴾ أي لكم عقول تعرفون بها المحاسن والمقابح، وربما كان بعضهم يفعله بحضرة بعض كما قال ﴿وتأتون في ناديكم المنكر﴾ [ العنكبوت : ٢٩ ] فيكون حينئذ من البصر والبصيرة ؛ ثم أتبع هذا الأنكار إنكاراً آخر لمضمون جملة مؤكدة أتم التأكيد، إشارة إلى أن فعلتهم هذه مما يعي الواصف، ولا يبلغ كنه قبحها ولا يصدق ذو عقل أن أحداً يفعلها، فقال معيناً لما أبهم :﴿أئنكم لتأتون﴾ وقال :﴿الرجال﴾ تنبيهاً على بعدهم عما يأتونه إليهم، ثم علله بقوله :﴿شهوة﴾ إنزالاً لهم إلى رتبة البهائم التي ليس فيها قصد ولد ولا عفاف ؛ وقال :﴿من دون﴾ أي إتياناً مبتدئاً من غير، أو أدنى رتبة من رتبة ﴿النساء﴾ إشارة إلى أنهم أساؤوا من الطرفين في الفعل والترك.