قوله تعالى ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التقدير لحكاية كلامهم الذي يشعر ببلوغ العلم، فقالوا مقسمين جهد أيمانهم : لا تأتينا الساعة، عطف عليه ما يدل على الشك والعمى، وكان الأصل : وقالوا، ولكنه قال :﴿وقال الذين كفروا﴾ أي ستروا دلائل التوحيد والآخرة التي هي أكثر من أن تحصى وأوضح من الضياء، تعليقاً للحكم بالوصف، مستفهمين استفهام المستبعد المنكر :﴿أإذا كنا تراباً وآباؤنا﴾ وكرروا الاستفهام إشارة إلى تناهي الاستبعاد والجحود، وعد ما استبعدوه محالاً، فقالوا :﴿أئنا﴾ أي نحن وآباؤنا الذين طال العهد بهم، وتمكن البلى فيهم ﴿لمخرجون﴾ أي من الحالة التي صرنا إليها من الموت والبلى إلى ما كنا عليه قبل ذلك من الحياة والقوة، ثم أقاموا الدليل في زعمهم على ذلك فقالوا تعليلاً لاستبعادهم :﴿لقد وعدنا ﴾.
ولما كانت العناية في هذه السورة بالإيقان بالآخرة، قدم قوله :﴿هذا﴾ أي الإخراج من القبور كما كنا أول مرة - على قوله :﴿نحن وآباؤنا﴾ بخلاف ما سبق في سورة المؤمنون، وقالوا :﴿من قبل﴾ زيادة في الاستبعاد، أي أنه قد مرت الدهور على هذا الوعد، ولم يقع منه شيء، فلذلك دليل على أنه لا حقيقة له فكأنه قيل : فما المراد به؟ فقالوا :﴿إن﴾ أي ما ﴿هذا إلا أساطير الأولين﴾ أي ما سطروه كذباً لأمر لا نعرف مرادهم منه.