قوله تعالى ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبر عن حال من لقيه، أخبر عن حال من فارقه، فقال :﴿وأصبح﴾ أي عقب الليلة التي حصل فيها فراقه ﴿فؤاد أم موسى﴾ أي قلبها الذي زاد احتراقه شوقاً وخوفاً وحزناً، وهذا يدل على أنها ألقته ليلاً ﴿فارغاً﴾ أي في غاية الذعر لما جلبت عليه من أخلاق البشر، قد ذهب منه كل ما فيه من المعاني المقصودة التي من شأنها أن يربط عليها الجأش ؛ ثم وصل بذلك مستأنفاً قوله :﴿إن﴾ أي إنه ﴿كادت﴾ أي قاربت ﴿لتبدي﴾ أي يقع منها الإظهار لكل ما كان من أمره، مصرحة ﴿به﴾ أي بأمر موسى عليه السلام من أنه ولدها ونحو ذلك بسبب فراغ فؤادها من الأمور المستكنة، وتوزع فكرها في كل واد ﴿لولا أن ربطنا﴾ بعظمتنا ﴿على قلبها﴾ بعد أن رددنا إليه المعاني الصالحة التي أودعناها فيه، فلم تعلن به لأجل ربطنا عليه حتى صار كالجراب الذي ربط فمه حتى لا يخرج شيء مما فيه ؛ ثم علل الربط بقوله :﴿لتكون﴾ أي كوناً هو كالغريزة لها ﴿من المؤمنين﴾ أي المصدقين بما وعد الله به من نجاته ورسالته، الواثقين بذلك.
ولما أخبر عن كتمها، أتبعه الخبر عن فعلها في تعرف خبره الذي أطار خفاؤه عليها عقلها، فقال عاطفاً على ﴿وأصبح﴾ :﴿وقالت﴾ أي أمه ﴿لأخته﴾ أي بعد أن أصبحت على تلك الحالة، قد خفي عليها أمره :﴿قصيه﴾ أي اتبعي أثره وتشممي خبره براً وبحراً، ففعلت ﴿فبصرت به عن جنب﴾ أي بعد من غير مواجهة، ولذلك قال :﴿وهم لا يشعرون﴾ أي ليس لهم شعور لا بنظرها ولا بأنها أخته، بل هم في صفة الغفلة التي هي في غاية البعد عن رتبة الإلهية.
ولما كان ذلك أحد الأسباب في رده، ذكر في جملة حالية سبباً آخر قريباً منه فقال :﴿وحرمنا﴾ أي منعنا بعظمتنا التي لا يتخلف أمرها، ويتضاءل كل شيء دونها ﴿عليه المراضع﴾ جمع مرضعة، وهي من تكترى للرضاع من الأجانب، أي حكمنا بمنعه من الارتضاع منهن، استعار التحريم للمنع لأنه منع فيه رحمة ؛ قال الرازي في اللوامع : تحريم منع لا تحريم شرع.


الصفحة التالية