قوله تعالى ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٣٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ذكر المضمون هذا من التوراة : قال في أول السفر الثاني منها : وهذه أسماء بني إسرائيل الذين دخلوا مصر مع يعقوب عليه السلام، دخل كل امرىء وأهل بيته روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وإيساخار وزيلون وبنيامين ودان ونفتالي وجاد وأشير، وكان عدد ولد يعقوب الذين خرجوا من صلبه سبعين نفساً مع يوسف عليه الصلاة والسلام الذي كان بمصر، فتوفي يوسف وجميع إخواته وجميع ذلك الحقب، وبنو إسرائيل نموا وولدوا وكثروا واعتزوا جداً جداً، وامتلأت الأرض منهم، فملك على مصر ملك جديد لم يكن يعرف يوسف فقال لشعبه : هذا شعب بني إسرائيل قد كثر عددهم فهم أكثر وأعز منا، هلموا نحتال لهم قبل أن يكثروا، لعل أعداءنا يأتونا يقاتلونا فيكونوا عوناً، لأعدائنا علينا فيخرجونا من الأرض، فولى عليهم ولاة ذوي فظاظة وقساوة ليتعبدوهم، وجعلوا يبنون قرى لأجران فرعون واهرائه وفي نسخة : وبنوا لفرعون مدناً محصنة فيسترم في الفيوم وفي عين شمس، وفي نسخة : فيثوم ورعمسيس، وفي نسخة : وأكوان التي هي مدينة الشمس، واشتد تعبدهم لهم، وذلهم أياهم، وكانوا يزدادون كثرة ويعتزون، فاشتد غمهم وحزنهم بسبب بني إسرائيل، وكان المصريون يتعبدون بني إسرائيل بشدة وقساوة، ويمرون حياتهم بالكد والتعب الصعب الشديد بالطين وعمل اللبن وفي كل عمل الحقل، وكان تعبدهم إياهم في جميع ما استعملوهم بالشدة والفظاظة والقسوة، فقال ملك مصر : وجعلنا لقوابل العبرانيات التي تسمى إحداهما فوعا والأخرى شوفرا، وأمرهما : إذا أنتما قبلتما العبرانيات فانظرا إذا سقط الولد، فإن كان ذكراً فاقتلاه، وإن كانت أنثى فاستبقياها فاتقت القابلتان الله ولم يفعلا ما أمرهما به ملك مصر، وجعلتا تستحييان الغلمان، فدعا ملك مصر القابلتين وقال لهما؟ ما بالكما؟ جاوزتما أمري وأحييتما الغلمان؟ فقالتا لفرعون : إن العبرانيات لسن كالمصريات لأنهن قوابل، ويلدن قبل أن تدخل القابلة عليهن، فأحسن


الصفحة التالية
Icon