قوله تعالى ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (٤٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
وأما ما عبدوه ورجوا نصره لهم وأملوه فأضعف منهم، ولكون شيء منه لم يغن عن أحد منم شيئاً فلم تختل سنة الله في أوليائه وأعدائه في قرن من القرون ولا عصر من العصور، بل جرت على أقوم نظام، واتقن إحكام، وصل بذلك قوله تعالى على وجه الاستنساج :﴿مثل الذين ﴾.
ولما كان دعاء غير الله مخالفاً لقويم العقل، وصريح النقل، وسليم الفطرة وصحيح الفكرة فكان ذلك يحتاج إلى تدرب إلى الجلافة، وتطبع في الكثافة، قال :﴿اتخذوا﴾ أي تكلفوا أن أخذوا.
ولما كانت الرتب تحت رتبته سبحانه لا تحصى، وكل الرتب دون رتبته، قال منبهاً على ذلك بالجار :﴿من دون الله﴾ أي الذي لا كفوء له، فرضوا بالدون، عوضاً عمن لا تكفيه الأوهام والظنون ﴿أولياء﴾ ينصرونهم بزعمهم من معبودات وغيرها، في الضعف والوهي ﴿كمثل العنكبوت﴾ الدابة المعروفة ذات الأرجل الكثيرة الطوال ؛ ثم استأنف ذكر وجه الشبه وعبر عنها بالتأنيث وإن كانت تقال بالتذكير تعظيماً لضعفها، لأن المقام لضعف ما تبنيه فقال :﴿اتخذت بيتاً﴾ أي تكلفت أخذه في صنعتها له ليقيها الردى، ويحميها البلا، كما تكلف هؤلاء اصطناع أربابهم لينفعوهم، ويحفظوهم بزعمهم ويرفعوهم، فكان ذلك البيت مع تكلفها في أمره، وتعبها الشديد في شأنه، في غاية الوهن.
ولما كان حالها في صنعها حال من ينكر وهنه، قال مؤكداً :﴿وإن﴾ و واوه للحال من ضمير - ﴿اتخذت﴾ أي والحال أنه أوهن - هكذا كان الأصل، ولكنه أظهر للتعميم فقال :﴿أوهن البيوت﴾ أي أضعفها ﴿لبيت العنكبوت﴾ التي عانت في حوكه ما عانت وقاست في نسجه ما قاست، لأنه لا يكنّ من حر، ولا يصون من برد، ولا يحصن عن طالب، كذلك ما اتخذ هؤلاء من هذه الأوثان، وهذا الدين الذي لا أصل له فهو أوهن الأديان وأهونها ﴿لو كانوا يعلمون﴾ أي لو كان لهم نوع ما من العلم لانتفعوا به فعلموا أن هذا مثلهم، فأبعدوا عن اعتقاد ما هذا مثله.
ولما انتفى نفعهم بعلمهم، صح نفيه، فكانوا وإياها على حد سواء، ليس لفريق منهما شيء مما نوى، فيا لها من صفقة خاسرة، وتجارة كاسدة بائرة.


الصفحة التالية
Icon