قوله تعالى ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (١٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التقدير : أفلم يتدبروا القرآن وما كشف لهم عنه من الحكم والأمور التي وعد الله بها على لسان نبيه محمد ـ ﷺ ـ فيه أو في السنة، فكانت على حسب ما وعد، أو لم يتأملوا مصنوعات الله عموماً فتدلهم عقولهم منها على أنه لا يصلح للإلهية إلا من كان حكيماً، ولا يكون حكيماً إلا من صدق في وعده، و أنه لا تتم الحكمة إلا بإيجاد الآخرة، عطف عليه قوله منكراً عليهم موبخاً لهم :﴿أولم يتفكروا﴾ أي يجتهدوا في إعمال الفكر، ثم ذكر آلة الفكر زيادة في تصوير حال المتفكرين والتذكير بهيئة المعتبرين فقال :﴿في أنفسهم﴾ ويجوز أن تكون هي المتفكر فيه فيكون المعنى : يتفكروا في أحوالها خصوصاً فيعلموا أن من كان منهم قادراً كاملاً لا يخلف وعده وهو إنسان ناقص، فكيف بالإله الحق، ويعلموا أن الذي ساوى بينهم في الإيجاد من العدم وطورهم في أطوار الصور، وفاوت بينهم في القوى والقدر، وبين آجالهم في الطول والقصر، وسلط بعضهم على بعض بأنواع الضرر، وأمات أكثرهم مظلوماً قبل القصاص والظفر، لا بد في حكمته البالغة من جمعهم للعدل بينهم في جزاء من وفى أو غدر، أو شكر أو كفر، ثم ذكر نتيجة ذلك وعلله بقوله في أسلوب التأكيد لأجل إنكارهم، وعلى التقدير الأول يكون هذا هو المتفكر فيه ﴿ما خلق الله﴾ أي بعز جلاله، وعلوه في كماله ﴿السماوات والأرض﴾ على ما هما عليه من النظام المحكم، والقانون المتقن، وأفرد الأرض لعدم دليل حسي أو عقلي يدلهم على تعددها بخلاف السماء ﴿وما بينهما﴾ من المعاني التي بها كمال منافعهما ﴿إلا﴾ خلقاً متلبساً ﴿بالحق﴾ أي الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع، فإذا ذكر البعث الذي هو مبدأه الآخرة التي هذا أسلوبها وجد الواقع في تصوير النطف ونفخ الروح وتمييز الصالح منها للتصوير من الفاسد يطابق ذلك، وإذا تدبر النبات بعد أن كان هشيماً قد نزل عليه الماء فزها واهتز وربا وجده مطابقاً للأمر البعث،