قوله تعالى ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما بين سبحانه المبدأ بخلق السماوات والأرض، والمعاد بالجنة والنار، وأنهم كذبوا به، وكان تكذيبهم به مستلزماً لاعتقاد نقائص كثيرة منها العجز وإخلاف الوعد وترك الحكمة، كان ذلك سبباً لأن ينزه سبحانه نفسه المقدسة ويأمر بتنزيهها، لأن ذلك يدفع عن المنزه مضار الوعيد، ويرفعه إلى مسار الوعد، فقال ذاكراً من أفعاله العالية التي لا مطمع لغيره في القدرة على شيء منها ما يدل على خلاف ذلك الذي يلزم اعتقادهم، لافتاً الكلام عن صيغة العظمة إلى أعظم منها بذكر الاسم الأعظم.
﴿فسبحان الله﴾ أي سبحوا الذي له جميع العظمة بمجامع التسبيح بأن تقولوا هذا القول الذي هو عَلَمه، فهو منزه عن كل نقص ؛ ثم ذكر أوقات التسبيح إشارة إلى ما فيها من التغير الذي هو منزه عنه وإلى ما يتجدد فيها من النعم ووجود الأحوال الدالة على القدرة على الإبداع الدال على البعث، فقال دالاً على الاستغراق بنزع الخافض مقدماً المحو لأنه أدل على البعث الذي النزاع فيه وهو الأصل، لافتاً الكلام إلى الخطاب لأنه أشد تنبيهاً :﴿حين تمسون﴾ أي أول دخول الليل بإذهاب النهار وتفريق النور، فيعتريكم الملل، ويداخلكم الفتور والكسل، على سبيل التجدد والاستمرار، وأكد الندب إلى التسبيح بإعادة المضاف فقال :﴿وحين تصبحون﴾ بتحويل الأمر فتقومون أحياء بعد أن كنتم أمواتاً فتجدون نهاراً قد أضاء بعد ليل كان دجى، فتفعلون ما هو سبحانه منزه عنه من الحركة والسعي في جلب النفع ودفع الضرر، وأرشد السياق إلى أن التقدير : وله الحمد في هذين الجنسين.
ولما ذكر ما يدل على خصوص التنزيه، اتبعه ما يعرف بعموم الكمال، فقال ذاكراً لوقت كمال النهار وكمال الظلام، وتذكيراً بما يحدث عندهما للآدمي من النقص بالفتور والنوم اعتراضاً بين الأوقات للاهتمام بضم التحميد إلى التسبيح :﴿وله﴾ أي وحده مع النزاهة عن شوائب النقص ﴿الحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال.