قوله تعالى ﴿ الم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أثبت في آل عمران أنه أنزل بالحق، أثبتت في السجدة تنزيله ونفي الريب عن أنه من عنده، وأثبت أنه الحق، واستمر فيما بعد هذا من السور مناظراً في الأغلب لما مضى كما يعرف ذلك بالإمعان في التذكر والتأمل والتدبر :﴿بسم الله﴾ الذي وسع رحمة وعلماً ﴿الرحمن﴾ الذي بث بعموم حكمته شامل نعمته في سائر بريته ﴿الرحيم﴾ الذي أنار لخاصته طريق جنته، فداموا وهاموا في محبته.
لما ختمت الروم بالحث على العلم، وهو ما تضمنه هذا الكتاب العظيم، والأمر بالصبر والتمسك بما فيه من وعد، والنهي عن الإطماع لأهل الاستخفاف في المقاربة لهم في شيء من الأوصاف، وكان ذلك هو الحكمة، قال أول هذه :﴿آلم﴾ مشيراً بها إلى أن الله الملك الأعلى القيوم أرسل - لأنه ظاهر مع أن الباطن - جبرائيل عليه السلام إلا محمد عليه الصلاة والسلام بوحي ناطق من الحكم والأحكام بما لم ينطق به من قبله إمام، ولا يلحقه في ذلك شيء مدى الأيام، فهو المبدأ وهو الختام، وإلى ذلك أو ما تعبيره بإداة البعد في قوله :﴿تلك﴾ أي الآيات التي هي من العلو والعظمة بمكان لا يناله إلا من جاهد نفسه حتى هذبها بالتخلي عن جميع الرذائل، والتحلي بسائر الفضائل ﴿آيات الكتاب﴾ الجامع لجميع أنواع الخير ﴿الحكيم﴾ بوضع الأشياء في حواق مراتبها فلا يستطاع نقض شيء من إبرامه، ولا معارضة شيء ومن كلامه، الدال ذلك على تمام علم منزله وخبرته، وشمول عظمته وقدرته، ودقيق صنائعه في بديع حكمته، فلا بد من نصر المؤمنين ومن داناهم في التمسك بكتاب له أصل من عند الله.


الصفحة التالية
Icon