قوله تعالى ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (٢٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبرهم سبحانه بما علم مما أوقعوه من أسرارهم، وأمره ـ ﷺ ـ بوعظهم، حذرهم بدوام علمه لمن يخون منهم، فقال محققاً مقرباً من الماضي ومؤذناً بدوام هذا الوصف له :﴿قد يعلم﴾ ولعله عبر ب " قد " التي ربما أفهمت في هذه العبارة التقليل، إشارة إلى أنه يكفي من له أدنى عقل في الخوف من سطوة المتهدد احتمال علمه، وعبر بالاسم الأعظم فقال :﴿الله﴾ إشارة إلى إحاطة الجلال والجمال ﴿المعوقين﴾ أي المثبطين تثبيط تكرية وعقوق، يسرعون فيه إسراع الواقع بغير اختياره ﴿منكم﴾ أي أيها الذين أقروا بالإيمان للناس قاطبة عن إتيان حضرة الرسول ـ ﷺ ـ ﴿والقائلين لإخوانهم هلم﴾ أي ائتوا وأقبلوا ﴿إلينا﴾ موهمين أن ناحيتهم مما يقام فيه القتال، ويواظب على صالح الأعمال ﴿ولا﴾ أي والحال أنهم لا ﴿يأتون البأس﴾ أي الحرب أو مكانها ﴿إلا قليلاً﴾ للرياء والسمعة بقدر ما يراهم المخلصون، فإذا اشتغلوا بالمعاركة وكفى كل منهم ما إليه تسللوا عنهم لواذاً، وعاذوا بمن لا ينفعهم من الخلق عياذاً.
ولما كانوا يوجهون لكل من أفعالهم هذه وجهاً صالحاً، بين فساد قصدهم بقوله ذاماً غاية الذم بالتعبير الشح الذي هو التناهي في البخل، فهو بخل بما في اليد وأمر للغيب بالبخل فهو بخل إلى بخل خبيث قذر متمادى فيه مسارع إليه ﴿أشحة﴾ أي يفعلون ما تقدم والحال أن كلاً منهم شحيح ﴿عليكم﴾ أي بحصول نفع منهم أو من غيرهم بنفس أو مال.