قوله تعالى ﴿ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٣٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أنتج هذا التسهيل لما كان استصعبه ـ ﷺ ـ والتأمين مما كان خافه، عبر عن ذلك بقوله مؤكداً رداً على من يظن خلاف ذلك :﴿ما كان على النبي﴾ أي الذي منزلته من الله الاطلاع على ما لم يطلع عليه غيره من الخلق ﴿من حرج فيما فرض﴾ أي قدر ﴿الله﴾ بما له من صفات الكمال وأوجبه ﴿له﴾ لأنه لم يكن على المؤمنين مطلقاً حرج في ذلك، فكيف برأس المؤمنين، فصار منفياً عنه الحرج مرتين خصوصاً بعد عموم تشريفاً له وتنويهاً بشأنه.
ولما كان مما يهون الأمور الصعاب المشاركة فيها فكيف إذا كانت المشاركة من الأكابر، قال واضعاً الأسم موضع مصدره :﴿سنة الله﴾ أي سن الملك الذي إذا سن شيئاً أتقنه بما له من العزة والحكمة فلم يقدر أحد أن يغير شيئاً منه ﴿في الذين خلوا﴾ وكأنه أراد أن يكون أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام أولى مراد بهذا، تبكيتاً لملبسي أتباعهم فأدخل الجار فقال :﴿من قبل﴾ أي من الأنبياء الأقدمين في إباحة التوسيع في النكاح لهم، وهو تكذيب لليهود الذين أنكروا ذلك، وإظهار لتلبيسهم.
ولما كان المراد بالنسبة الطريق التي قضاها وشرعها قال معلماً بأن هذا الزواج كان أمراً لا بد من وقوعه لإرادته له في الأزل فلا يعترض فيه معترض ببنت شفة يحل به ما يحل بمن اعترض على أوامر الملك، ولأجل الاهتمام بهذا الإعلام اعترض به بين الصفة الموصوف فقال :﴿وكان أمر الله﴾ أي قضاء الملك الأعظم في ذلك وغيره من كل ما يستحق أن يأمر به ويهدي إليه ويحث عليه، وعبر عن السنة بالأمر تأكيداً لأنه لا بد منه ﴿قدراً﴾ وأكده بقوله :﴿مقدوراً﴾ أي لا خلف فيه، ولا بد من وقوعه في حينه الذي حكم بكونه فيه، وهو مؤيد أيضاً لقول زين العابدين وكذا قوله تعالى واصفاً للذين خلوا :﴿الذين يبلغون﴾ أي إلى أمهم ﴿رسالات الله﴾ أي الملك الأعظم سواء كانت في نكاح أو غيره شقت أو لا ﴿ويخشونه﴾ أي فيخبرون بكل ما أخبرهم به ولم يمنعهم من إفشائه، ولوّح بعد التصريح في قوله ﴿وتخشى الناس﴾ :﴿ولا يخشون أحداً﴾ قلَّ أو جلَّ ﴿إلا الله﴾ لأنه ذو الجلال والإكرام.
ولما كان الخوف من الملك العدل إنما هو من حسابه كان التقدير : فيخافون حسابه، أتبعه قوله :﴿وكفى بالله﴾ أي المحيط بجميع صفات الكمال ﴿حسيباً﴾ أي مجازياً لكل أحد بما عمل وبالغاً في حسابه الغاية القصوى، وكافياً من أراد كفايته كل من أراده بسوء. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٦ صـ ١١٠ ـ ١١١﴾