قوله تعالى ﴿ إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٥٤) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (٥٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان بعض الدال على الكلام - كما مر - أصرح من بعض، فكان الإنسان قد يضمر أن يفعل ما يؤذي إذا تمكن، وقد يؤذي بفعل يفعله، ويدعي أنه قصد شيئاً آخر مما لا يؤدي، قال تعالى حاملاً لهم على التفطن والتنبه في الأقوال وغيرها والمقاصد الحسنة ظاهراً وباطناً، على طريق الاستئناف في جواب من ربما انتهى بظاهره، وهو عازم على أن يفعل الأذى عند التمكن :﴿إن تبدوا﴾ أي بألسنتكم أو غيرها ﴿شيئاً﴾ أي من ذلك وغيره ﴿أو تخفوه﴾ أي في صدروكم.
ولما كان فعل من يخفي أمراً عن الناس فعل من يظن أنه يخفى على ربه، قال مؤكداً تنبيهاً لفاعل ذلك على هذا اللازم لفعله ترهيباً له :﴿فإن الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال ﴿كان﴾ أزلاً وأبداً به، هكذا كان الأصل ولكنه أتى بما يعمه وغيره فقال :﴿بكل شيء﴾ أي من ذلك وغيره ﴿عليماً﴾ فهم يعلم ما أسررتم وما أعلنتم وإن بالغتم في كتمه، فيجازي عليه من ثواب أو عقاب.
ولما كان المقصود كما تقدم تغليظ الحجاب على ذوات الخدور، وكان قد ذكر في هذه السورة خصائص وتغيير أحكام للنبي ـ ﷺ ـ ولأزواجه ـ رضى الله عنه ـ ن ولغيرهم، كان ربما ظن أن الحجاب تغير أو شيء منه بالنسبة إلى الدخول أو غيره، فاستثنى من عمّه النهي السابق عن الدخول على وجه يعم جميع النساء على نحو ما تقدم في سورة النور فقال :﴿لا جناح﴾ أي إثم ﴿عليهن في آبائهن﴾ دخولاً وخلوة من غير حجاب، والعم والخال وأبو الزوج بمصير الزوجين كالشيء الواحد بمنزلة الوالد ﴿ولا أبنائهن﴾ أي من البطن أو الرضاعة، وابن الزوج بمنزلة الولد، وترك ذكرهم يفهم أن الورع الحجاب عنهم ﴿ولا إخوانهن﴾ لأن عارهن عارهم ﴿ولا أبناء إخوانهن﴾ فإنهن بمنزلة آبائهم ﴿ولا أبناء أخواتهن﴾ فإنهن بمنزلة أمهاتهم ﴿ولا نسائهن﴾ أي المسلمات القربى منهن والبعدى بمنزلة واحدة، وأما الكافرات فهن بمنزلة الأجانب من الرجال ﴿ولا ما ملكت أيمانهن﴾ لأنهم لما لهن عليهم من السلطان تبعد منهم الريبة هيبة لهن مع مشقة الاحتجاب عنهم.