قوله تعالى ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان هذا الحال معلوماً لهم لا ينازعون فيه بوجه، بل إذا وقعوا فيه أخلصوا الدعاء وأمروا به وخلعوا الأنداد، وكان علم ذلك موجباً لصاحبه أن لا يغفل عن القادر عليه وقتاً ما، بل لا يفتر عن شكره خوفاً من مكره، وكان العاقل إذا ذكر بأمر فعلمه يقيناً كان جديراً بأن يقبله، فإذا لم يقبله وخوف عاقبته بأمر محتمل جد في الاحتراز منه، عجب منهم في إعراضهم عنه سبحانه مع قيام الأدلة القاطعة على وحدانيته وأنه قادر على ما يريد من عذاب وثواب، وإقبالهم على ما لا ينفعهم بوجه، فقال :﴿وإذا قيل﴾ أي من أي قائل كان ﴿لهم اتقوا﴾ أي خافوا خوفاً عظيماً تعالجون فيه أنفسكم ﴿ما بين أيديكم﴾ أي بما يمكن أن تقعوا فيه من العثرات المهلكة في الدارين ﴿وما خلفكم﴾ أي ما فرطتم فيه ولم تجاروا به ولا بد من المحاسبة عليه لأن الله الذي خلقكم أحكم الحاكمين ﴿لعلكم ترحمون﴾ أي تعاملون معاملة المرحوم بالإكرام.
ولما كان التقدير : أعرضوا لأن الإعراض قد صار لهم خلقاً لا يقدرون على الانفكاك من أسره، عطف عليه قوله إشارة إليه :﴿وما تأتيهم﴾ وعمم بقوله :﴿من آية﴾ وبين قوله :﴿من آيات﴾ ولفت الكلام للتذكير بالإنعام تكذيباً لهم في أنهم أشكر الناس للمنعم فقال :﴿ربهم﴾ أي المحسن إليهم ﴿إلا كانوا عنها﴾ أي مع كونها من عند من غمرهم إحسانه وعمهم فضله وامتنانه ﴿معرضين﴾ أي دائماً إعراضهم.


الصفحة التالية
Icon