قوله تعالى ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (٤٢) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما انقضى الخبر عن الملك الأواب الذي ملك الدنيا بالفعل قهراً وغلبة شرقاً وغرباً، وكان أيوب عليه السلام في ثروة الملوك وإن لم يكن ملكاً بالفعل، وكان تكذيب من كذب بالنبي ـ ﷺ ـ إنما هو بتسليط الله الشياطين بوسوسته عليهم، وأمره سبحانه بالصبر على ذلك وقص عليه من أخبار الأوابين تعليماً لحسن الأوبة إن وهن الصبر، أتبعه الإخبار عن الصابر الأواب الذي لم يتأوه إلا من وسوسة الشيطان لزوجه بما كان يفتنها ليزداد النبي ـ ﷺ ـ بذكر هذه الأخبار صبراً ويتضاعف إقباله على الله تعالى وتضرعه له اقتداء بإخوانه الذين لم تشغلهم عنه منحة السراء ولا محنة الضراء، وتذكيراً لقدرة الله على كل ما يريده تنبيهاً على أنه قادر على رد قريش عما هم فيه ونصر المستضعفين من عباده عليهم بأيسر سعي فقال :﴿واذكر عبدنا﴾ أي الذي هو أهل للإضافة إلى عظيم جنابنا، وبينه بقوله :﴿أيوب﴾ وهو من الروم من أولاد عيص بن إسحاق عليهم السلام لتتأسى بحاله فنصبر على قومك وإن رأيت ما لا صبر لك عليه دعوت الله في إصلاحه.
ولما أمره بذكره، بين أن معظم المراد بعض أحواله الشريفة ليتأسى به فقال مبدلاً منه بدل اشتمال :﴿إذ﴾ أي اذكر حاله الذي كان حين :﴿نادى﴾ وصرف القول عن مظهر العظمة إلى صفة الإحسان لأنه موطنه لاقتضاء حاله ذلك فقال :﴿ربه﴾ : أي المحسن إليه الذي عرف إحسانه إليه في تربيته ببلائه كما عرف امتنانه بظاهر نعمائه وآلائه، ثم ذكر المنادى به حاكياً له بلفظه فقال مشيراً بالتأكيد إلى أنه - وإن كان حاله فيما عهد من شدة صبره مقتضياً عدم الشكوى - أتاه ما لا صبر عليه :﴿إني﴾ أي رب أدعوك بسبب أني.


الصفحة التالية
Icon