قوله تعالى ﴿ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما حصل التشوف إلى جوابه، دل عليه بقوله :﴿قال فالحق﴾ أي فبسبب إغوائك وغوايتهم أقول الحق ﴿والحق﴾ أي لا غيره أبداً ﴿أقول﴾ أي لا أقول إلا الحق، فإن كل شيء قلته ثبت، فلم يقدر أحد على نقضه ولا نقصه.
ولما كانت إجابته بالإنظار ربما كانت سبباً لطمعه في الخلاص، قطع رجاءه بما أبرزه في أسلوب التأكيد من قوله جواباً لقسم مقدر وبياناً للحق، وفي قراءة عاصم وحمزة برفع ﴿فالحق﴾ يكون هو المقسم به أي فالحق قسمي، والجواب ﴿لأملأن﴾ وما بينهما اعتراض مبين أن هذا مما لا يخلف اصلاً ﴿جهنم﴾ أي النار العظيمة التي من شأنها تجهم من حكم بدخوله إياها ﴿منك﴾ أي نفسك وكل من كان على شاكلتك من جنسك من جميع الجن ﴿وممن ﴾.
ولما كان الأغلب على سياقات هذه السورة سلامة العاقبة، كان توحيد الضمير في ﴿تبع﴾ أولى، وليفهم الحكم على كل فرد ثم الحكم على المجموع فقال :﴿تبعك﴾ ولما كان ربما قال متعنت : إن المالىء لجهنم من غير البشر قال :﴿منهم﴾ أي الناس الذين طلبت الإمهال لأجلهم، وأكد ضمير ﴿منك﴾ والموصول في ﴿ممن﴾ بقوله :﴿أجمعين﴾ لا تفاوت في ذلك بين أحد منكم، وهذا الخصام الذي بين سبحانه أنه كان بين الملأ الأعلى كان سبباً لهم إلى انكشاف علوم كثيرة منها أن السجود والتحيات والاستغفار والكفارات سبب الوصول إلى الله والقربات، فصاروا بعد ذلك يختصمون فيها، فكانت هذه القضية سبباً لاطلاع النبي ـ ﷺ ـ على أسرار الملك والملكوت، وإلى ذلك الإشارة بالحديث الذي رواه أحمد والترمذي - وقال : حسن غريب - والدارمي والبغوي في تفسير عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال :


الصفحة التالية
Icon