قوله تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قامت الأدلة وسطعت الحجج على أنه سبحانه رب العالمين الذين من جملتهم المخاطبون، ولا حكم للطبيعة ولا غيرها، أتبع ذلك آية أخرى في أنفسهم هي أظهر مما مضى، فوصل به على طريق العلة لمشاركتهم له ـ ﷺ ـ في الأمر والنهي في التي قبلها قوله تعالى :﴿هو﴾ لا غيره ﴿الذي﴾ ولما كان الوصف بالتربية ماضياً، عبر عنه به فقال :﴿خلقكم من تراب﴾ أي أصلكم وأكلكم التي تربى به أجسادكم ﴿ثم من نطفة﴾ من مني يمنى ﴿ثم من علقة﴾ مباعداً حالها لحال النطفة كما كان النطفة مباعداً لحال التراب، ﴿ثم﴾ بعد أن جرت شؤون أخرى ﴿يخرجكم﴾ أي يجدد إخراجكم شيئاً بعد شيء ﴿طفلاً﴾ لا تملكون شيئاً ولا تعلمون شيئاً، ثم يدرجكم في مدارج التربية صاعدين بالقوة في أوج الكمال طوراً بعد طور وحالاً بعد حال ﴿لتبلغوا أشدكم ثم﴾ يهبطكم بالضعف والوهن في مهاوي السفول ﴿لتكونوا شيوخاً﴾ ضعفاء غرباء، قد مات أقرانكم، ووهت أركانكم، فصرتم تخشون كل أحد.
ولما كان هذا مفهماً لأنه حال الكل، بين أنه ما أريد به إلا البعض لأن المخاطب الجنس، وهو يتناول البعض كما يتناول الكل فقال :﴿ومنكم من يتوفى﴾ بقبض روحه وجميع معانيه.
ولما كان الموت ليس مستغرقاً للزمن الذي بين السنين وإنما هو في لحظة يسيرة مما بينهما، أدخل الجار على الظرف فقال :﴿من قبل﴾ أي قبل حال الشيخوخة أو قبل حال الأشدية.


الصفحة التالية
Icon