قوله تعالى ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما بين جهل الإنسان في حالات مخصوصة باليأس عند مس الشر، والأمن عند ذوق النعمة بعد الضر، بين حاله عند النعمة مطلقاً ودعاءه عند الشر وإن كان قانطاً تكريراً لتقلب أحواله وتناقص أقواله وأفعاله تصريفاً لذلك على وجوه شتى ليكون داعياً له إلى عدم الأنفة من الرجوع عن الكفر إلى الإيمان، ومسقطاً عنه خوف الشبه بذلك والنسبة إلى الخفة وعدم الثبات، فقال معبراًَ بأداة التحقيق دلالة على غلبة نعمه تعالى في الدنيا لنقمه، ودلالة على حالة الإنسان عند مس النعمة من جهة يتوقعها بعد بيان حاله عند مسها بغتة من غير توقع تأكيداً لبيان جهله حيث جعل ظرف النعمة ظرفاً للإعراض من غير خوف من نزعها على قرب عهده بالضر :﴿وإذا أنعمنا﴾ مما لنا من العظمة والإحسان ﴿على الإنسان﴾ أي الواقف مع نفسه نعمة تليق بعظمتنا فمسه الخير ولم يعبر في هذا الجانب بما عبر به في الذي بعده إيذاناً بأن المعرض مسيء لمجرد الإعراض لا المبالغة فيه فقال :﴿أعرض﴾ أي انحرف عن سواء القصد إلينا عنا في جميع مدة النعمة - بما أفهمه الظرف، فلم يقيد تلك النعمة بالشكر بعد ما رأى من حلالنا، قاطعاً بأن تلك النعمة خير محض ظاهراً وباطناً فهو يستديمها، وربما كانت بلاء استدراجاً وامتحاناً ﴿وناء﴾ أي أبعد إبعاداً شديداً بحيث جعل بيننا وبينه حجاباً عظيماً حال كونه مال ﴿بجانبه﴾ أي بشقه كناية عن تكبره وبأوه وإعجابه بنفسه وزهوة وتصويراً له بمن كلمته فازور عنك والتوى، وأبعد في ضلاله وغوى.


الصفحة التالية
Icon