قوله تعالى ﴿ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أفهم هذا أنهم لا عداوة بينه، بل يكونون في التواد على أضعاف ما كانوا عليه في الدنيا لما ظهر لهم من توادهم فيها وتناصرهم هو أفضى بهم إلى الفوز الدائم برضوان الله، وصل به حالاً بين فيها ما يتلقاهم به من تواد فيه سبحانه تشريفاً لهم وتسكيناً لما يقتضيه ذلك المقام من الأهوال :﴿يا عباد﴾ أي مقولاً لهم هذا، فخص بالإضافة إليه كما خصوه بالعبادة ﴿لا خوف﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿عليكم اليوم﴾ أي في الآخرة مما يحويه ذلك اليوم العظيم من الأهوال والأمور الشداد والزلازل ﴿ولا أنتم تحزنون﴾ أي لا يتجدد لكم حزن على شيء فات في وقت من الأوقات الآتية لأنكم لا يفوتكم شيء تسرون به.
ولما ناداهم بما يطمع فيه سائر أهل الموقف لأن كل حزب يقولون : نحن عباده، خص المرادين بما يوئس غيرهم ولئلا يكون الوصف بالتقوى موقفاً لمن سمعه اليوم من الكفار عن الدخول وكانوا لا يستطيعون ذلك، فوصف سبحانه المتقين بما يهون الوصول إلى درجتهم على غيرهم فقال :﴿الذين آمنوا﴾ أي أوجدوا هذه الحقيقة ﴿بآياتنا﴾ الظاهر عظمتها في نفسها أولاً وبنسبتها إلينا ثايناً ﴿وكانوا﴾ أي دائماً بما هو لهم كالجبلة والخلق ﴿مسلمين﴾ أي منقادين للأوامر والنواهي أتم انقياد، فبذلك يصلون إلى حقيقة التقوى التامة.
ولما ذكر ما لهم بشارة لهم وترغيباً لغيرهم في اللحاق بهم على وجه فيه إجمال، شرح ذلك بقوله :﴿ادخلوا الجنة﴾ ولما كانت الدار لا تكمل إلا بالرفيق السار، قال تعالى :﴿أنتم وأزواجكم﴾ أي نساؤكم اللاتي كن مشاكلات لكم في الصفات، وأما قرناؤهم من الرجال فدخلوا في قوله ﴿كانوا مسلمين﴾ ﴿تحبرون﴾ أي تكرمون وتزينون فتسرون سروراً يظهر أثره عليكم مستمراً يتجدد أبداً.


الصفحة التالية
Icon