قوله تعالى ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تحرر أن الكفار أحق الخلق بالعدم لأن الباطل مثلهم وحقيقة حالهم، سبب عنه قوله :﴿فإذا لقيتم﴾ أي أيها المؤمنون ﴿الذين كفروا﴾ ولو بأدنى أنواع الكفر في أيّ مكان كان وأيّ زمان اتفق.
ولما كان المراد القتل المجهر بغاية التحقق، عبر عنه مؤكداً له من الاختصار بذكر المصدر الدال على الفعل مصوراً له بأشنع صوره مع ما فيه من الغلظة على الكفار والاستهانة بهم فقال تعالى :﴿فضرب الرقاب﴾ أي عقبوا لقيكم لهم من غير مهلة بأن تضربوا رقابهم ضرباً بالصدق في الضرب بما يزهق أرواحهم، فإن ذلك انتهاز للفرصة وعمل بالأحوط، وكذلك النفس التي هي أعدى العدو إذا ظفرت بها وجب عليك أن لا تدع لها بقية، قال القشيري : فالحية إذا بقيت منها بقية فوضعت عليها إصبع ثبت فيها سمها.
ولما كان التقدير : ولا يزال ذلك فعلكم، غياه بقوله :﴿حتى﴾ وبشرهم بالتعبير بأداة التحقق فقال تعالى :﴿إذا أثخنتموهم﴾ أي أغلظتم القتل فيهم وأكثرتموه بحيث صاروا لا حراك بهم كالذي ثخن فأفرط ثخنه ؛ فجعل ذلك شرطاً للأسر كما قال تعالى ﴿وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض﴾ [ الأنفال : ٦٧ ] ثم قال تعالى مبيناً لما بعد الثخن :﴿فشدوا﴾ أي لأنه لا مانع لكم الآن من الأسر ﴿الوثاق﴾ أي الرباط الذي يستوثق به من الأسر بالربط على أيديهم مجموعة إلى أعناقهم - مجاز عن الأسر بغاية الاستيلاء والقهر.


الصفحة التالية
Icon