قوله تعالى ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (١٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التقدير بعد هذا التمثيل والوصف والتشويق الذي يبهر العقول : فمن الناس من يسمع منك بغاية المحبة والإنصاف فيعليه الله بفهم ما يتلوه واعتقاده والعمل به واعتماده وهم المتقون الذين وعدوا الجنة، عطف عليه قوله تعالى :﴿ومنهم من يستمع﴾ أي بغاية جهده لعله يجد في المتلو مطعناً يشك به على الضعفاء، وبين تعالى بعدهم بقوله :﴿إليك﴾ ولما أفرد المستمع نظراً إلى لفظ " من " إشارة إلى قلة المستمع جمع نظراً إلى معناه إشارة إلى كثرة المعرضين الجامدين المستهزئين من المستمعين منهم والسامعين فقال تعالى :﴿حتى﴾ أي واستمر إجهادهم لأنفسهم بالإصغاء حتى ﴿إذا خرجوا﴾ أي المستمعون والسامعون جميعاً ﴿من عندك قالوا﴾ أي الفريقان عمى وتعاميا واستهزاء.
ولما كان مجرد حصول العلم النافع مسعداً، أشار إلى تعظيمه ببنائه لما لم يسم فاعله فقال تعالى :﴿للذين أوتوا العلم﴾ أي بسبب تهيئة الله لهم بما آتاهم من صفاء الأفهام لتجردهم عن النفوس والحظوظ وانقيادهم لما تدعوا إليه الفطرة الأولى :﴿ماذا قال﴾ أي النبي ـ ﷺ ـ ﴿آنفاً﴾ أي قبل افتراقنا وخروجنا عنه من ساعة - أي أول وقت - تقرب منه، من أنفة الصلاة - بالتحريك، وهو ابتداؤها وأولها، قال أبو حيان : حال، أي مبتدئاً، أي ما القول الذي ائتنفه الآن قبل انفصالنا عنه.
ورد كونه ظرفاً بأنه تفسير معنى، وأنه لا يعلم أحداً من النحاة عده في الظروف.
وقال البغوي : ائتنفت الأمر : ابتدأته، وأنف الشيء أوله، قال مقاتل : وذلك أن النبي ـ ﷺ ـ كان يخطب ويعيب المنافقين، فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ استهزاء : ماذا قال محمد ـ ﷺ ـ ؟ قال ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ : وقد سئلت فيمن سئل.


الصفحة التالية
Icon